تكنوشتاين

Views: 344

 منى دوغان جمال الدين

في “٣٠ شباط” من “العام المقبل”، تصَدَّر الرجل الآلي الأميركي “تكنوشتاين” الصفحات الأولى من الصحف العالمية، الرسمية والخاصة، بعد أن نال جائزة نوبل “للذاكرة الخارقة”.

وقد سبق للرجل الآلي العبقري أن قام بجولات عبر دول العالم، استقبله الرؤساء والأمراء والوزراء، أقيمت على شرفه الحفلات والولائم ونُثرت الورود والزهور؛ وفي بعض الأحياء استقبله الأهالي بالزغاريد والرقص والاغاني. واينما حل كان الصغار والكبار يتهافتون مهرولين لرؤية احدى عجائب آخر الزمان، لرؤية آخر ابتكارات دولة تربعت على أنقاض ثروات العالم لتأتي بمخلوق عجيب تبهر به العالم.

فنسي من كان يركض وراء قوته اليومي أن أطفاله الجياع ينتظرون كسرة خبز آخر النهار، ونسيت الام رضيعها يبكي وهي حائرة في أمر هذا الرجل الآلي الذي كان لديه جواب على كل سؤال، ونسي المنجمون تعويذاتهم ليتسولوا على أبواب “تكنوشتاين” آخر توقعاته الفلكية للسنة المقبلة.

أما الرؤساء والأمراء فكانوا مشدوهين بابتكاراته المذهلة التي تضمن لهم العمر المديد، فتناوبوا على استقباله في غرفهم المغلقة السوداء لسؤاله عن كيفية وضع خطط واستراتيجيات مستقبلية تضمن لهم استمرارية تربعهم على عروشهم.

وجاء اليوم الذي زار “تكنوشتاين” احدى القرى النائية حيث الأهالي ما زالوا يعيشون على الفطرة، حيث الاطفال يسرحون ويمرحون ويضحكون بكل براءة، حيث ما زال الرجال يعيشون مما تنتجه الأرض من زرع وحيث كبار السن ما زالوا يرعون الماشية. دخل القرية غريبا، ولم يكن في استقباله اي من كبار العشيرة.

وصل إلى مدخل القرية ومع كل خطوة يخطوها كان يتلفت يمينا شمالا، يلقي تحيته الميكانيكية، فينظر اليه المارة نظرة استغراب ثم تعلو شفاهم ضحكة ساخرة.

مر أمام مجرى النهر، وإذ بعصا غلام ضرير، لا يتجاوز من العمر الاثني عشر، تصطدم بهذا المخلوق العجيب. استغرب الصبي الضجيج الذي صدر عن هذا المخلوق فبادره قائلا: حدسي لا يخطئ ايها الرجل الغريب. اعرف من انت وماذا تريد.

رد “تكنوشتاين” بنبرة آلية: انت صبي لا يفقه ولا يجيد، صبي لا يفقه ولا يجيد.

– اتحداك، ففطرتي تفوق ذكاءك.

– ذكائي يفوق فطرتك.

– فطنتي تتحدى ذاكرتك المبرمجة.

– موسوعتي تفوق الخيال، اتحداك.

– قبلت التحدي. قل لي، هل تتذكر يوم مولدك؟

– ٣٠ شباط ٢٠٢١.

علت قهقهات أهل القرية، ثم استرسل الغلام متسائلا: أأنت متأكد مما تقول؟

– كل التأكيد، أقرأ الصحف فتجد الجواب.

– ما أنا بقارئ لصحف تبنت يوما وهميا وسنة لم نقبل عليها بعد.

– ماذا تقول؟ أتكذّب الصحف وتصدق بساطة فطرتك؟

– نعم، صحف لا تعرف صفاء فطرة صبي ضرير.

– ضرير؟

ضحك الغلام ضحكة ساخرة، ثم قال مستهزئا: ألم تحدثك موسوعتك الذكية عن صبي ضرير لا تغره آلة تدعي أنها نابغة وهي غازية؟…

ثم تابع قائلا:

قبلت التحدي ففلحت، هزمت ذاكرتك فترنحت، عجز ذكاؤك عن إدراك بصيرتي فانتصرت…

عد من حيث اتيت وتذكر أن كل ما هو مزيف لا يدوم ولن يدوم…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *