خليل حاوي… عشق الـ “لا” وانتحر رفضًا

Views: 31

وفيق غريزي

عندما نذكر الشاعر خليل حاوي، يلقي بنا هذا الاسم في قلب المأساة، لا المأساة التي عاشها هذا الشاعر، بل المأساة التي نعيشها نحن، فالمأساة التي عاشها هو لم تكن مأساة فردية، بل مأساة وطنية – قومية، لأنه من الشعراء المؤمنين بالتجاوز، وتفرّده عن الآخرين يتمثل بوحدة الشاعر والفيلسوف، وهي ميزة النفوس الرافضة التي تعشق الـ “لا” بحيث أنه كلما ازداد وهج التمرّد فيها تعينت بكلام غير مألوف، وإن وعت هزيمتها التي هي هزيمة الكل، ازداد بؤسها على حجم آمالها. ولعل انتحار حاوي على اثر الغزو الاسرائيلي للبنان، واحتلاله العاصمة بيروت عام ١٩٨٢، كان اشارة احتجاج مدوية ضد هذا الغزو، لانه شعر أن حلمه بانبعاث الأمة العربية قد تلاشى وتبدد.

اطلالته الشعرية

عندما نتحدث عن الحركة الشعرية للنصف الثاني من القرن العشرين، يطل علينا اسم الشاعر خليل حاوي في طليعة البارزين من روادها الشعراء. إلا أن حاوي على الرغم من عبقريته الشعرية، كان قياسا بسائر زملائه الآخرين مقلا، فالدواوين الخمسة التي التي تحمل اسمه، قد لا تتناسب كما مع ما يناهز الثلاثين سنة من العمل الشعري الدؤوب.

 اطل حاوي على الشعر من الموقع الأصعب، انه اولا بحكم ثقافته الفلسفية العميقة لا يمكنه أن يرضى لشعره بأقل من أن يكون فتحًا في باب الادراك الانساني.. وهو ايضا بحكم كونه ملما بالنقد العالمي المركز ومحاضرا فيه على المستوى الاكاديمي الجامعي، لا يمكنه ان يرضى للشعر بأقل من أن يكون فتحًا مستمرًا في باب الرؤيا والاداء التعبيري.

 أبى حاوي أن يكون للشعر في نفسه شريك. وقف حياته على الشعر، فكان عصارة فكره وتجربته واحساسه. ولقد ساوى خليل حاوي الشعر بالحياة، واختار طواعية أن ينهي حياته عندما احس ان الهزائم والتناحر قد اخرسا الصوت المبدع في اعماقه.

اتجاهات اساسية

 كان حاوي قد رأى ان ثمة اتجاهات اساسية شكلت تاريخ الأدب، وهذه الاتجاهات تمثلت في نظريات ثلاث هي:

نظرية المحاكاة، وتبدأ بافلاطون وتمتد حتى الدكتور جونسون في القرن الثامن عشر، مرورا بارسطو، وهي نواة المذهب الكلاسيكي.

 نظرية الخلق العضوي في الأدب، ووجدت في كولوردج الناقد الفيلسوف والشاعر.

نظرية الخلق من العدم، وأول من دعا اليها الشاعر الفرنسي مالارميه، وتمتد حتى اليوم عبر السوريالية. وقد تركز اهتمام حاوي على بعث الشاعر الانسان، الذي يمتلك اصالة ذاتية، وقدرة على صهر ما يستمده من نتاج الآخرين، وطبعه بنظريته الخاصة وطريقته في التعبير، وعايش عالمًا من شعراء المرحلتين: الاحيائية والرومانسية، وهذا ما جعل فكره ينبع اساسا من احساسه الذاتي، بالقضايا الكيانية الكبرى.

قاموسه الشعري

ينتزع خليل حاوي قاموسه الشعري وصوره من عالم الاسطورة، فيبني قصيدته متمشيا مع الامتلاء الوجداني بالكون وبهموم الانسان الذي يميز الحس الاسطوري او حس الانسان بالحياة… وقد بنى تجربته الشعرية على استدعاء الرموز الاسطورية لتدخل بناء الكون الشعري، وهو يتكىء على تراث انساني متنوع وثري من “الدرويش” الى “السندباد” الى “تموز” او “لعازر” وغيرها من الرموز البحار في قصيدة “البحار والدرويش” يرمز الى الذات الغربية التي انطلقت تنزع ستائر المجهول، وتكشف القارات البكر. والدرويش يمثل الشرق المغرق في الروحانيات، انه الذات الشرقية الزاهدة في المغامرة واكتناه اسرار الطبيعة. الذات المتجسدة في شعر خليل حاوي تتحد مع طبيعة الذات التموزية ومغزاها الاسطوري. وبذلك تمكن من التعبير عن البعث وعودة الخصب والحياة، وانتصارهما على الموت والجفاف. ان قلق الذات الوجودي تحول الى قلق حضاري…

محور قصائده الأساس

المحور الاساس في قصائد حاوي، الذي تدور حوله الفكرة العامة، هومشكلة الوجود الانساني، وفي هذه الحال كان حاوي دوما طموحًا الى استكشاف معالم الانبعاث الحضاري العربي، منفردا بروءيا انسانية عميقة الاثر شملت تطلع الانسان العربي الى تفاصيل مشروعه الحضاري باعادة انبعاثه من جديد.

 يقول حاوي: “يا اله الخصب، يا تموز يا شمس الحصيد بارك الارض التي تعطي رجالا اقوياء الصلب نسلا لا يبيد يرثون الارض للدهر الابيد”.

تبلغ حركية الخصب ذروتها وقد اتخذت من ثنائية الموت والانبعاث صورة لتجسيد الواقع العربي في انكساراته وانهزاماته وتطلعاته ونبوءاته، فجاءت قصيدته “بعد الجليد” تعبيرا عن الموت والانبعاث بما هي ازمة ذات حضارية وظاهرة كونية.

التجأ حاوي الى الاسطورة لتصوير انهيار القيم وتفاهة الانسان وعجزه عن التفكير: “يا اله الخصب، يا بعلا يفض التربة العاقر / يا الها ينفض القبر / ويا فصحا مجيد / نجنا، نج عروق الارض /من عقم دهاها ودهانا”.

 تبدو صورة الشاعر حاوي وكأنها جزء من اسطورة، حاول ان يتقمص رموزها ويجسدها في مصيره الشخصي المفجع. لقد كان يؤمن بأن داخله نبيا، لكن انسجة صورته النبوية كانت مزيجا من طباع جبلية معتدة بنفسها، ومن نماذج بطولية…..

(eyesolutions.in)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *