الفلسفة المعادلاتية وتحليل الكون

Views: 557

حسن عجمي

 الفلسفة المعادلاتية هي الفلسفة التي تُحلِّل المفاهيم والظواهر من خلال معادلات رياضية. تؤكِّد الفلسفة المعادلاتية على أنَّ الظواهر والحقائق معادلات رياضية ما يسمح بتحليلها رياضياً. فكل ظاهرة أو حقيقة هي معادلة رياضية. من هنا، تهدف الفلسفة المعادلاتية إلى اكتشاف المعادلات الرياضية الصادقة والناجحة في التعبير عن أية ظاهرة أو حقيقة. للفلسفة المعادلاتية فضائل معرفية عديدة منها فضيلتها الكامنة في حلّ الإشكاليات والخلافات الفلسفية كحلّ الخلاف حيال إن كان الكون مادياً أم مثالياً.

 مثلٌ على تطبيق الفلسفة المعادلاتية هو تحليل الكون على أنه معادلة رياضية بين المادي والمثالي. بالنسبة إلى الفلسفة المعادلاتية، الكون = المادي × المثالي (أي أنَّ الكون يساوي المادي مضروباً رياضياً بالمثالي). وبذلك تُعرِّف الفلسفة المعادلاتية الكون من خلال المادي والمثالي معاً فتعتبره علاقة رياضية بين ما هو مادي ومثالي. الآن، بما أنَّ الفلسفة المعادلاتية تقول إنَّ الكون = المادي × المثالي، إذن الكون مادي ومثالي معاً. وبذلك تُوحِّد الفلسفة المعادلاتية بين المادية والمثالية فتحلّ الخلاف الفلسفي حيال إن كان الكون مادياً أم مثالياً. وفي هذا فضيلة كبرى للفلسفة المعادلاتية ما يدعم صدقها.

 ثمة تحليل فلسفي وعلمي مفاده أنَّ الكون مادي كأن يكون متكوِّناً من ذرات مادية كما وَرَدَ ذلك في نظرية الفيزياء الكلاسيكية. ويوجد تحليل فلسفي وعلمي آخر يناقض التحليل السابق لكونه يعتبر أنَّ الكون مثالي كأن يكون متكوِّناً من معلومات مجرّدة وتبادل للمعلومات كما يقول الفيزيائي جون ويلر أو كأن يكون الكون متكوِّناً من بناءات رياضية مجرّدة كما يؤكِّد الفيزيائي ماكس تغمارك. هكذا تختلف النماذج الفلسفية والعلمية وتتصارع حيال تحليل الكون وصفاته فتنقسم إلى نماذج مادية وأخرى مثالية.

 لكن التحليل المعادلاتي للكون يحلّ هذا الإشكال والخلاف بقوله إنَّ الكون = المادي × المثالي. فبما أنَّ الكون = المادي × المثالي، إذن من المتوقع أن يتكوّن الكون من المادة كأن يكون متكوِّناً من ذرات مادية كما من المتوقع أن يكون الكون متكوِّناً مما هو مجرّد فمثالي كأن يكون متكوِّناً من معلومات مجرّدة أو بناءات رياضية مجرّدة. وبذلك معادلة الكون ألا وهي أنَّ الكون = المادي × المثالي تتضمن النماذج الفلسفية والعلمية السابقة جمعاء رغم اختلافها وتنافسها وبذلك توحِّد فيما بينها فتحلّ الخلاف القائم فيما بينها. من هنا يكتسب التحليل المعادلاتي للكون فضيلة أساسية ألا وهي توحيده بين النماذج الفلسفية والعلمية المختلفة والمتصارعة فحلّ الخلاف الأساسي حيال تحليل الكون.

 بالإضافة إلى ذلك، ينجح التحليل المعادلاتي للكون في تفسير لماذا تنجح النظريات العلمية المتنافسة رغم اختلافها. فبما أنَّ الكون = المادي × المثالي، إذن من الطبيعي أن تنجح النظريات العلمية التي تصف الكون وتفسِّره على أنه مادي (كأن يكون متكوِّناً من ذرات مادية) ومن الطبيعي أيضاً أن تنجح النظريات العلمية التي تصف الكون وتفسِّره على أنه مثالي (كأن يكون معلومات مجرّدة وتبادلها). من هنا، معادلة الكون ضمن الفلسفة المعادلاتية ناجحة في تفسير لماذا تنجح النظريات العلمية رغم الاختلاف فيما بينها. وبذلك تكتسب معادلة الكون هذه الفضيلة المعرفية ما يدلّ على صدقها. فإن لم يكن الكون = المادي × المثالي لاستحال حينئذٍ أن تنجح النظريات العلمية المادية والمثالية في آن رغم تعارضها.

 لكن كيف من الممكن أن يكون الكون مادياً ومثالياً معاً رغم التعارض بين المادي والمثالي؟ يكمن الجواب في أنَّ كل حقيقة أو ظاهرة تتكوّن من مستويات متعدّدة ومختلفة. فعلى المستوى المنظور كل حقيقة في الكون مادية وإلا ما نجحت النظرية العلمية المادية. أما على مستوى آخر ألا وهو المستوى غير المنظور فكل حقيقة مجرّدة فمثالية وإلا ما نجحت النظريات العلمية المثالية في وصف الكون وتفسيره على أنه معلومات أو بناءات رياضية مجرّدة بدلاً من وصفه وتفسيره على أنه مادي. من هنا، على مستوى معيّن الكون مادي بينما على مستوى آخر فالكون مثالي. هكذا يجتمع المادي والمثالي في الكون نفسه.

 كما أنَّ معادلة الكون تتضمن نتيجة منطقية أساسية ما يعزِّز صدق هذه المعادلة ومقبوليتها. فبما أنَّ الكون = المادي × المثالي، إذن نستنتج رياضياً بأنَّ المادي يساوي الكون مقسوماً رياضياً على المثالي تماماً كما نستنتج رياضياً بأنَّ المثالي يساوي الكون مقسوماً رياضياً على المادي. وبذلك كلما تناقصت مثالية الكون ازدادت ماديته والعكس صحيح وكلما ازدادت مثالية الكون تناقصت ماديته والعكس صحيح أيضاً. وهذه نتيجة منطقية لأنَّ المادي نقيض المثالي. وبما أنَّ معادلة الكون تتضمن هذه النتيجة المنطقية، إذن هي معادلة ناجحة.

 الفلسفة المعادلاتية فلسفة إنسانوية أيضاً. فبما أنَّ الكون = المادي × المثالي، إذن تصدق المادية والمثالية معاً. لكن النماذج الفلسفية والعلمية منقسمة إلى مذاهب مادية وأخرى مثالية. من هنا، تصدق كل النماذج الفلسفية والعلمية المادية والمثالية في آن ما يجعلها متساوية في قيمتها ومقبوليتها. وبذلك كل البشر متساوون في قيمتهم بتساوي صدق معتقداتهم المادية والمثالية ما يؤسِّس للسلام القائم على قبول كل البشر (و إن اختلفوا فيما يعتقدون) على ضوء أنهم متساوون في قيمتهم. هكذا الفلسفة المعادلاتية فلسفة إنسانوية بامتياز.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *