الياس فرحات… نبوغ الشاعرية

Views: 123

وفيق غريزي

كفرشيما، القرية اللبنانية الصغيرة، التي انجبت اليازجيين والشميل وتقلا، تفاخر ايضا بانها انجبت شاعرا فذًا هو الياس فرحات، واضفت به حلقة جديدة الى سلسلة مفاخرها.

هذه القرية جادت على فتاها الياس بقطرة عجيبة، جوهرها نبوغ، ومظهرها عادي، لم تميزه بشيء عن ابناء القرية حتى بلغ العاشرة من العمر، وترك المدرسة الى لا رجوع، ليدخل مدرسة الحياة ويتعلم الحكمة من تجاربها القاسية.

الولادة والنشأة

ولد الياس فرحات عام ١٨٩٣، وبعد ان ترك المدرسة، وبينما كان يتدرب على المهن اليدوية كالنجارة وتقشيش الكراسي وتنضيد الحروف، كانت نفسه تتفتح وموهبته تنجلي، فجرى شعر الزجل على لسانه، واصبح الفتى اليافع ينازل الزجليين المشهورين في المجالس ويلفت الانظار بسرعة خاطره وحدة ذهنه، اما ابواب الرزق فلم، يجد مفتاحا يعالجها به، وقد قضى سبعة اعوام في البحث عنه.

عام ١٩١٠ترك لبنان مهاجرا، حيث وصل الى المهجر الاميركي وكل عدته باقة شعر زودته بها خطيبته في كفرشيما، ومكتبة تحتوي كتابين: جغرافية فانديك، ومزامير النبي داوود، لكن هذا القوي العزيمة، العالي الهمة، القوي الذاكرة، الجيد الحفظ، عكف على المطالعة والاقتباس حتى ملك البيان في وقت قليل من الزمن، وأخذ يتمرن على نظم الشعر متدرجا من العامي، الى الفصيح ومن التقليد الى الابداع، من دون ان يتعلم الصرف والنحو والعروض.

علمنا انه بادىء الامر كان يستعين بارباب العلم ويعرض عليهم شعره، متى اشتبه في صحة لفظة او حركة اعراب، فيرشدونه الى الصحيح.

العناد من ابرز صفات الياس فرحات، فكما عاند اللغة والشعر حتى امتلك

ناصيتهما، عاند الحياة بالسعي وراء الرزق، ولكن الرزق كان يهرب منه، فقال: “اغرب خلف الرزق وهو مشرق واقسم لو شرقت راح يغرب”.

 لقد عجز اصدقاءه أن يحولوا بينه وبين الفقر، حيث كان يجوع ويعرى، وأخيرًا رأوا أن لا مخرج الا بايجاد عمل له. فاختاروا له عملا ادبيًا، ان “ما زلت محترما حقي فانت اخي آمنت بالله ام آمنت بالحجر”، وقوله: “واذا الكريم مدحته بقصيدة قرأ اللئيم الدم في ابياتها”، وقوله: “دع آل عيسى يسجدون لربهم عيسى، وآل محمد لمحمد”.

عام ١٩٣٣ سافر الى الارجنتين للاشتراك في الذكرى الاولى للملك فيصل الأول، ودعوة الياس فرحات كانت ترضية معنوية له،لانه اشتهر كشاعر وطني. وفي عام ١٩٤٧ فاز بجائزة المجمع العلمي المصري، وقدرها سبعون جنيها فأبى استلامها رغم حاجته للمال، وحولها الى صندوق اغاثة فلسطين، والفقر لم يوءثر على شيمته الاصيلة في الكرم، وفي ذلك يقول: “لا ذنب الا على كف بليت بها ان تاخذ النيل تعط النيل والهرما”…

احلام الراعي

نظم الياس فرحات بعد صدور ديوانه ولكنه لم ينشر من منظوماته غير كتاب “احلام الراعي” عام ١٩٥٣، والكتاب نقد اجتماعي لاذع يتسرب من حمار يدور بين الحملان وحارسها الكلب الأمين، الى مقام الحاكمين بامرهم في امور الدنيا والدين.

 يقول الشاعر جورج صيدح: “إن الياس فر حات اراد أن يفش النقمة المخزونة في صدره مرة واحدة فروى عن الكلاب انها كانت بشرا في الأصل ولكنها تابت عن الكذب والمكر والخداع فرفعها الله الى مرتبة الكلاب، والله يعاقبها بردها الى فصيلة البشر اذا هي ارتدت الى عاداتها: “ان مات منا واحد او خانا ارجعه الله انسانا”.

 كان الانسان اذا لمح حركة يدي فرحات تتحدى الفضاء ير شيمة كل غضبان في كفرشيما، كانت حبال اعصابه المرهفة المتوترة المتحفزة ابدا للالتفاف حول الاعناق، تتحكم في جسمه كما تتحكم في شعره، فهي دوما في مد وجزر، تارة ثورة وجنون، وطورا لينا وسكون، موجعة تداعب اذيال الحبيب: “حبيبي تعال ادن مني فكم حسدت النسيم الذي قبلك”…

مكانته الشعرية

هو الشاعر المهجري في البرازيل مئة في المئة، ان لم يكن اعرق زملائه في الشاعرية. فهو اعرقهم في الروح المهجرية، ما تأدب ولا كتب حرفا الا تحت سماء البرازيل، أدبه عصري، تحرر في الفكر، وتجديد في الاداء، وصدق في العاطفة، إن نظم فتلبية لسليقة في نفسه وعاطفة جياشة في صدره تدفعه الى القول الحق، وان تالمت روحه لماساة من مآسي الوطن الام، تدفق شعوره امواجًا عارمة تجرف الظالمين والخانعين على السواء أو تتكسر على صخور المستعمرين الاقوياء.

 بعدما مر على وصوله الى البرازيل خمسة عشر عاما عكف على نظم افكاره في قالب الرباعيات، فصور في بعضها حياته وصفاته وثورته، ورسم في البعض الاخر، آفات المجتمع، وفي عام ١٩٢٥ صدرت الرباعيات في كتاب صغير، يقول فيها: “ما زلت محترما حقي فأنت اخي آمنت بالله أم آمنت بالحجر”.

(blogs.20minutos.es)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *