أزمة الفكر في الثقافة والإعلام

Views: 722

سليمان بختي

     هل هناك اعلام ثقافي وحقيقي في لبنان والعالم العربي؟ والقصد هنا بمعنى الحاجة والمعايير والصورة والحراك. لا أريد ان ازيد الطين بلة فيما خصّ الصحافة لأنها اليوم في أزمة بنيوية وجودية عميقة. ولكن قبل ذلك وبعده كان ثمة معاناة في طريقة التعاطي مع الحدث الثقافي كخبر وتغطية وتقييم وأصداء ومتابعات.

    هذا على صعيد الاعلام المكتوب، اما على صعيد الاعلام المرئي فلكل تلفزيونه او مرناته (بحسب الشيخ عبدالله العلايلي) وكل يستنسب وبمعايير ذاتية محددة. علما ان الفضائيات اللبنانية العربية لا تخصص ساعة شهريا مثلا للكتاب والاستثناء يؤكد القاعدة التي لا تزيح عن (التسلية) والاعلانات والترفيه والتوك شو المنحط لاغراض الخطاب السياسي ومعارك طواحين الهواء.

واذا كانت الثقافة هي رأس مال لبنان الرمزي ومنهج الحياة المجتمعية بما هي حاملة للقيم ومعبرة عن نظرة الانسان للوجود، وهي روح المجتمع المدني، وهي وجدان الامة وروح الهوية، وهي “نبض الوطن” بحسب كلمات الشاعر شوقي ابو شقرا محددا دور الصفحة الثقافية في جريدة “النهار” في النصف الثاني من القرن العشرين. اما اليوم فثمة واقع يتردى ويتبذل ولاسباب كثيرة اولها اندحار الفكر التنويري وغياب المشاريع الثقافية وصعود التيارات السلفية التي تنظر الى الحداثة والمثقفين وكأنهم كما يقول الشاعر أدونيس “عدوى غربية في الثقافة العربية”.

ولكن ثمة بعد اخر ايضا لا نريد التقليل من شأنه ساهم ايضا في فرض وقائع جديدة في حياتنا واقصد الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والمدونات الشخصية والمجلات الالكترونية التي رفعت سقف حرية التعبير وازالت الخطوط  الحمر التي ارساها الاعلام الثقافي التقليدي، ووسعت نطاق الاسئلة الراهنة وفتحت الباب لاصوات شابة جديدة لان تعبر واسقطت الاقطاعيات الثقافية. ولكنه مناخ حيوي بلا اطار او على الاقل بلا رافعة ثقافية تقوم على  العقل والفعل والتنوع والحوار والنقد. هناك دوائر مقفلة من الصعب كسرها بدون ارادة نهوض حقيقية.

    اقترح المفكر الراحل الدكتور هشام شرابي سبيلا ما اسماه (التشبيك) وذلك من خلال التنسيق والتعاون بين المثقفين والاعلام والاكاديميين والحركات الاجتماعية في المجتمع المدني مما يؤدي الى حالة تواصلية نهضوية فعّالة والى شأن اساسي مؤثر في الحيز العام.

    في العام 2009 اصدر المفكر الفرنسي ادغار موران كتابا بعنوان “الى اين يسير العالم” واعتبر ان رحى المعارك اليوم تدور على تخوم الفكر. وان هناك سبيلين لفهم العالم: سبيل التقدم والتطور وهو ذو طابع عقلي وسبيل تسوده الارتجاجات والرعب.

يبدو العالم اليوم مأزوما بالفكر، مأزوما بالتواصل. وازمة الثقافة واعلام الثقافة مأزومة بالفكر الذي لا يساعد العالم كي يصبح عالما ولا الانسان لتحقيق انسانيته. ولكن هذه الازمة التي نعيش يجب ان تقود الى تحولات عميقة في علاقة الفرد بالفرد، والفرد بالمجتمع، والمجتمع بالانسانية. المهم ان يبقى الصراع لانه دليل وجود وعلامة حياة. والاهم اننا بتنا بحاجة الى ولادات جديدة وروح جديدة وانسان جديد وعالم جديد. ان دور الاعلام الثقافي ان يشهد على كل ذلك وان يكون مرآته وان يكون جزءا اساسيا منه وفيه وله.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *