الأمير أمين آل ناصر الدين… أمير الدولتين: الشعر واللغة

Views: 865

وفيق غريزي

ثمة شعراء شكلوا بانفسهم أعمدة ثقافية خالدة، وعلى اكتافهم قامت النهضة الثقافية والادبية والشعرية واللغوية. ومن ابرزهم الامير امين آل ناصر الدين، الذي يعود بنسبه الى الامراء التنوخيين الذي حكموا لبنان ٨٠٠ سنة، وانتهى حكمهم بانتهاء الحكم المعني، واشتركوا مع صلاح الدين الايوبي في حربه ضد الصليبيين في معركة عين التينة- بيروت (فردان اليوم)، كما اشتركوا في معركة عين جالوت ضد المغول….

حياته وبداياته

ولد الامير امين أل ناصر الدين في قرية كفرمتى – الشحار، قضاء عاليه في ٢٥ كانون الثاني عام ١٨٧٦. ومنذ طفولته، عمل والده الأمير علي على تنمية ملكته الادبية وتربيته على محبة اللغة العربية.

بهذا كان بيته مدرسته الاولى. وعندما بلغ السابعة من عمره، التحق بمدرسة القرية، وفي العاشرة بدأ بنظم الشعر فيصحح والده ما فيه من اخطاء. بعد ذالك انتقل الى مدرسة عبيه، حيث أخذ يتعلم اللغة الانكلزية على المعلم رشيد مراد الخوري. وفي العام ١٨٩٢، التحق بالمدرسة الداودية التي انشأها المتصرف داود باشا في عبيه، وفيها انصرف الى التعمق باللغة العربية وآدابها، وكان والده يختار له عيون القصائد ويفرض عليه حفظها، كما حفظ ما أمكن من القرآن الكريم، ومنذ ذلك الوقت اخذ يدبج المقالات وينظم القصاىد الجميلة، وقبل ان ينهي تعليمه، مارس التعليم وكان في السادسة عشرة من عمره، وحين بلغ العشرين أخذ يصدر جريدة “الصفاء” التي كان قد انشأها والده عام ١٨٨٦. وقد حوّلها من مجلة الى جريدة سياسية مع الاحتفاظ بمزاياها الادبية. في العام ١٩٣٤ ترك الصحافة، وتوفي عام ١٩٥٣ في قريته كفرمتى…

 

مميزات شخصيته

قضى الشاعر ناصر الدين حياته متمسكا بالفضائل والاخلاق السامية، وبالاباء وعزة النفس، محافظا على التقاليد والعادات التراثية، كارها المدنية الغربية التي مسخت الانسان، منعزلا عن الناس إلا من نخبة من الاصدقاء. وقد عرف بتواضعه وبكرهه للابتزال ومخالطة النساء، لأنه كان يرى في ذلك ضعة يأنف منها الرجل الحق، الى أن يتزوج. كما كان يميل احيانا الى الظرف واطلاق النكتة.

 ولقد جمع الشاعر في “ديوان الفلك” آخر نتاجه الشعري، بعد صدور ثلاثة دواوين له هي: “ثمرات الافكار” ١٩١٠، “صدى الخاطر” ١٩١٣، و”الالهام” ١٩٣١. وبهذا يتضمن “ديوان الفلك” المرحلة الرابعة والاخيرة من شعره، وهي مرحلة تمثل الثلث الاخير من عمره، وفيه تطرق الى موضوعات شتى من وطنية وخلقية وحكمية وتاريخية، بالاضافة الى ابواب الشعر التقليدي كالوصف والرثاء والمديح والهجاء والفخر والغزل الخ…

الشاعر اللغوي

تضافرت في الشاعر ناصر الدين عوامل عدة جعلت منه شاعرا مميزا، ولغويا مدققا، يضن بالأدب ان يصاغ بقالب تشوبه الركاكة اللغوية والالفاظ المبتذلة. فمن شروط الشعر عنده، البلاغة ومتانة السبك وصحة اللفظ، الى جانب المعنى المبتكر والشاعرية الفطرية، ففي قصيدة لهيثم شعر ابي تمام بقوله: “ولولا ابتكار في معاني بديعها لما كان نهج للبيان ولا سحر ترقرق ماء الطبع فيهن فانحنى ليرشفه من لفظها الغصن النضر”.

اللغة عند شاعرنا هي عنصر اساسي في الجمال، وعنصر اساسي في تحقيق الانسان لانسانيته، لان هوية الانسان مرتبطة بلغته، وتميزه عن غيره. فمن يتنكر للغته الأم لا خير فيه وفي ذلك يقول: “ويزدريها اناس لا أخلاق لهم اذا ذكرت لهم اجدادهم قطبوا”، وجراء ذلك لقب الشاعر امين ال ناصر الدين بشاعر الدولتين دولة الشعر ودولة اللغة…

الشاعر والمرأة

تنكر الشاعر لما جاءت به المدنية الغربية، ومن هذا المنطلق كان موقفه من المرأة. لقد كره فيها الابتذال وسوء الاخلاق والخلاعة، وارادها على عكس ما درجت عليه المرأة الغربية التي خلعت عنها خمار الفضيلة والعفة والطهارة، وهاجم النساء المنحرفات، لما لهن من اثر في المجتمع.

 ان نقمة الشاعر على المر

اة التي سارت في ركب المراة الغربية جاءت لوعيه خطورة انحرافها وفساد دورها التربوي والاخلاقي، لذلك فهو يقول شعرا: ولا تتجاهلن ان النساء خلقن لامر به يعتبر فتربية النشء خير الامور يقر بذلك اهل الفكر وللفاضلات من الامهات جلالة قدر بها يفتخر.

 لقد رأى الشاعر في المرأة مرآة لعصره الذي كان يوءلمه اشد الايلام ويكرهه اشد الكره النساء المتبرجات، واحب المرأة الفاضلة الواعية المتزينة بالاخلاق والعفة والطهرانية. هكذاعاش أمين آل ناصر الدين غريبا في مجتمعه، ولكنه عاش قسرًا في حاضره المرير، وترك للانسانية تراثا شعريا ولغويا، سيبقى حيا على مدى الاجيال…..

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *