أسيرُ بيْن هاويتيْن

Views: 326

د. غادة السمروط

لحظةٌ سقطَتْ من قلادةِ الماضي، راحتْ تتلألأُ كلمةً، وتتدجرجُ أمام ناظرَيّ معنًى. رحتُ أحاولُ التاقطَها علّي ألتقطُ ذاتي فيها، علّي أعاودُ سعادةً مضَتْ، وما زال طيفُها يقبعُ على قوسِ الذّاكرة. هي تشرقُ قزحًا بين الفيْنة والأخرى ، حين يُظلمُ الحاضرُ ويُقفلُ نوافذَ الأمل، فتأتيني بريقًا، لا لتنيرَ عتمةً تحجبُ الطّريق، بل لتُشعلَ فيّ حسرةً وتأوّهًا، يعيدان إلى ذاكرتي صورةً خِلتُها غابتْ عنّي فِيَّ .

لماذا هذا التّرحلُ بين الماضي والحاضر والمستقبل؟ بين النّصِّ والفكرةِ وما سيكونُ فكرةً ؟

أنا كلمةٌ ترغبُ أن تكونَ نصًّا، أن تكونَ معنًى. هي وحدَها لا معنى لها. أريدُ أن أغرقَ في نصٍّ ليكون معنايَ. فأجدُني في الماضي المعلوم، في النّصّ الّذي استقلّ صفحةً لم تمتلئْ سطورُها بعدُ، ولم يكتملْ هو بعدُ. وأرى أمامي الحاضرَ الذي كان مستقبلًا يدخلُ في الماضي، يتبعه حاضرٌ آخرُ ومستقبلٌ آخرُ أيضًا، وهكذا، كما شريطٌ يدور حول قرصٍ، يمتدُّ وينتظرُ امتدادًا ليكونَ وحدةً ذاتَ معنى.

وحين أصيرُ معنًى، حين أصيرُ نصًّا مكتملًا، أكونُ وصلتُ إلى مرفأ الرّحيل، في لحظةٍ يفنى فيها الحاضرُ  بالماضي، في لحظةٍ لا ترنو إلى المستقبل، ولا ترغبُ بالنّصِّ ولا بالكلمة.

فبين ماضٍ يتراجعُ حبلُه على قرصِ الذّاكرة، وحاضرٍ يدور به القرصُ ليوغلَ في الماضي، أسيرُ الآنَ أنا!

أنا أسيرُ بين هاويتيْن! ماذا عسايَ أفعلُ؟ سئمتُ السّعيَ بيني وبيني! سئمتُ الكلمةَ، سئمتُ النّصَّ !!

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *