هَوَاجِسُ

Views: 791

 محمد نعيم بربر

 

رَجَعْتُ إلى لُبْنَانَ، أسْتَلْهِمُ  الْعُلا

وَأسْتَحْضِرُ التَّاريخَ، مجْدًا وسُؤْددَا

وعُدْتُ إلى الأحْبَابِ مِنْ بَعْدِ غُرْبَةٍ

أُرَفْرِفُ عَنْ بُعْدٍ، أمُدُّ لَهُمْ  يَدَا

كأنِّيَ طَيْرُ الْحُبِّ قدْ هَامَ فَاعْتلى

يُقَبِّلُ وَجْهَ الشَّمْسِ شَوْقا مُغَرِّدَا

أطُوْفُ كمَا الْعِقبَانُ في سُدَّة الذُّرَى

تَسُودُ لهَا الدُّنْيَا، وتَرْتاحُ في الْمَدَى

أُسَرِّحُ في الآفَاقِ مَا أغْمَضَ الْكَرَى

على عَيْنِ مَلْهُوْفٍ تَضَلَّلَ واهْتَدَى

أُلَمْلِمُ مِنْ قَطْرِ الْغَمَامِ نُعَاسَهُ

أُكَحِّلُ جَفْنَ الشَّمْسِ بِالْورْدِ والنَّدَى

كأنِّي على هَمْسِ الْجُفُونِ يَلُفُّنِي

وَشِيْجٌ مِنَ النَّجْوَى على الأُفْقِ قدْ بَدَا

أقُوْلُ وقدْ أَعْيَا الْفُؤَادَ جُمُوحُهُ

وبَدَّلَ بالتَّذْكَارِ، للْعُمْرِ مَوْعِدَا

أخَافُ إذا طَالَ النَّوى أَنْ يُضِيْعَنِي

وأَخْشَى إذا شَاخَ الْهَوَى غَضْبَةَ الرَّدَى

فَيَرْتَدُّ عَنْ بُعْدٍ مِنَ اللَّيلِ جُنْحُهُ

تُهَدْهِدُهُ الرُّؤيَا، ويَغْشَى على الْعِدَى

أقُولُ وقَدْ أدْمَى العِتَابُ مَقُوْلَتِي

وفَتَّقَ مِنْ لوْنِ الْجِرَاحَاتِ عَسْجَدَا

أيُمْكِنُ بَعْدَ الْيَومِ أنْ يَسْكُنَ الذُّرَى

عُقَابٌ عَلا الأفْلاكَ واحْتلَّ فَرْقَدَا؟!

تَجَرَّدَ أنْ يَسْرِي على لَيْلِ جَفْنِهِ 

وَقَدْ أشْعَلَ الْهِجْرانُ في الْقَلْبِ مَوْقِدَا

أقُوْلُ وقَدْ عَزَّ الْفِرَاقُ، وهَاجَنِي

رَفِيْفُ حَمَامٍ هَامَ أوْ بُلْبُلٌ شَدَا

أيَرْجِعُ مُشْتَاقٌ إلى الأرْضِ والْهَوَى

كمَا كَانَ بالأمْسِ الْبَعِيدِ مُجَدَّدَا ؟!

يَلُفُّ جَنَاحَيْهِ الْحَنيْنُ إلى الصِّبَا

ويَحْضُنُ دِفْءُ الْحُب ِّ أحْلامَهُ غَدَا

يُلَوِّنُ ظلُّ الشَّمسِ فَوْقَ رِمَالِهِ

على شَاطِىءِ النِّسْيَانِ، جِسْمًا مُمَدَّدَا

تَسُفُّ بِهِ الأرْيَاحُ حِيْنًا على الثَّرَى

وحِيْنًا على الأنْوَاءِ، مَوْجًا مُعَرْبِدَا

يَتِيْهُ على الشُّطْآنِ عُرْيا مُمَزَّقا

يَضِيْعُ كَمَا ضَاعَتْ ويَغْفُو مُسَهَّدَا

أقُوْلُ على ظَنٍّ وقَدْ خَابَ سَائِلِي

وحَارَ جَوَابا عَنْ سُؤَالٍ تَرَدَّدَا

أيُمْكِنُ أنْ يَمْضِي إلى غُرْبَةٍ غَدًا

غَرِيْبٌ على الْبَلْوَى اكْتَوَى فَتَجَلَّدَا؟!

تُمَزِّقُهُ في الصَّمْتِ نَجْوَى حَنِيْنِهِ

على هَاجِسِ النِّسْيَانِ، مَوْتاً ومَوْلِدَا

تُعَشِّشُ فيْه مِثلَ مَا كَانَ غُرْبَةٌ

فَيَسْكُنُ بَيْنَ الأهْلِ، سِجْنا مُؤَبَّدَا

تَشُدُّ جَنَاحَيْهِ الْقُيُودُ على اللَّظَى

كمَا كَانَ مَغْلُولَ الْفُؤَادِ مُقَيَّدَا

تُحِيْلُ لَهُ هَمَّ الْحَيَاةِ، هَوَاجِسًا

فَيَفْرِشُ للشَّكْوَى سَرِيْرًا وَمَرْقَدَا

يُفَتِّشُ فيْها عَنْ بَقَايَا سَكِيْنَةٍ

يَهِيْمُ على وَجْهِ الْحَيَاةِ مُشَرَّدَا

ويَبْحَثُ فيْها عَنْ خَفَايَا ظُنُوْنِهِ

يُجَدِّدُ مَا أَبْلَى الزَّمَانُ، كمَا ابْتَدَا

كأنَّ إلى جَمْرِ الْبُعَادِ تُعِيْدُهُ

بَقَايَا لُهَاثٍ مِنْ رَمَادٍ تَبَدَّدَا

فَيَنْفَضُّ مِنْ تَحْتِ الرَّمَادِ كَأنَّهُ

كَمِيٌّ مِنَ الْمَاضِي، هَوَى فَتَمَرَّدَا

يَمُرُّ على خَطِّ الرَّدَى مِثْلَ صَارِمٍ

تُنَازِعُهُ الأهْوَالُ، فيْما تَغَمَّدَا

يُصَدِّعُ وَجْهَ الأرْضِ سُخْطًا على النَّوَى

عَنِيْداً على الدُّنْيَا، جَسُوْرًا إذا عَدَا

يُعِيْدُ زَمَانَ الْوَصْلِ مِثْلَ سَحَابَةٍ

تَشُقُّ عَبِيْرَ الأرْضِ غَيْما مُلَبَّدَا

ويُفْرِجُ عَنْ سِرٍّ دَفِيْنٍ بِقَلْبِهِ

يُجَلْجِلُ كالْبُرْكَانِ في هَدْأةِ الصَّدَى

تَفَرَّدَ أنْ يَلْقَى الْحَيَاةَ مُغَامِرًا

فَهَلْ يَلْتَقِيْهِ الْمَوْتُ فيْمَا تَفَرَّدَا؟!

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *