أحاول قصيدةً  

Views: 301

د. غادة السمروط

 

         أنظرُ من شرفةِ منزلي، أرى النّهارَ ينقبضُ، والشّارعَ  ينبسط. الشّارعُ  يحمل اسمَ “الشّاعر”، أنزل إليه وأسيرُ، أقولُ في نفسي: عسايَ في نهايته أفوز بقصيدة.  

      كانتِ السّماءُ في زرقةٍ شاحبة، والشّمسُ في سكونٍ تُلقي نظرةَ الوداع. بعضُ سحاباتٍ تستديرُ بهدوء، وفي ثناياها ظلالُ أشجارٍ حالمة. 

       بدأَتِ الكلماتُ تتقدّمُ إليَّ. تسارعُ الخطى وتُبطئء. وأنا أتقدّمُ إليها متّزنةً في صمتي، أنظرُ إلى الغسَق في أفقِ نصٍّ أراهُ يولدُ في البعيد، تمتدُّ أمامي دائرةُ المعنى، أجوبُ في شعاعاتِها وأقطارِها. وأرى النّورَ والظّلمةَ يتصافحان. أهما في لقاءٍ أم في وداع ؟ صفحتانِ تتعاقبانِ في تناقضٍ، كما غيومٌ تلبّدُ أنظارَنا، فتكفهرُّ النّفوس، ثمّ تجري ينابيعَ تمدُّنا بالأمل، فتعمُرُ فينا الحياة. 

      طال المسيرُ بي، ونسيتُني في سعيٍ إلى القصيدة. راحتِ الكلماتُ تجوبُني وأجوبُها، تغادرُني وألحقُ بها. وصلْتُ في الشّارعِ إلى نهايته، وعدتُ فيه وإليه مرّاتٍ، ولم تأتِ القصيدة. حسبتُ أنّني سأكونُ شاعرةً عندما أسيرُ في شارعِ  “الشّاعر”. ونسيتُ أن أنسى الأصواتَ تأتي إليَّ في الصّمت. ولم أستطعْ، ولم أعرفْ أن أكونَ وحدي في ترحّلي، كي ينقبضَ فيَّ كلُّ شيء، وأرقصَ كالدّراويش، وأذوبَ في سمعٍ وذكرٍ، حتّى أمّحيَ وأفنى، كي تسريَ إليَّ القصيدة. تهتُ في المحاولة، وأنا أبحثُ عن كلمةٍ أبدأُ بها. عدتُ أدراجي، ولم أبنِ بيتًا واحدًا من شِعر. فأيقنتُ عندها أنّ المكانَ لا يصنع شاعرًا، وأنّ القصيدةَ فيضٌ نرتجيه حين يملؤنا الفراغ !!   

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *