من ذكرياتي الفنية: قصتي مع بدايات شوشو

Views: 956

نبيل غصن

معرفتي بالفنان الكوميدي الكبير المرحوم حسن علاء الدين (شوشو) تعود الى بداياته في الستينات، حيث كنت يومها مخرجاً في اذاعة لبنان، وسبق لي ان كتبت لتلفزيون لبنان عملاً تمثيلياً كان الاول يقدم على الهواء مباشرةً بعنوان “الشهم”، كون نظام تصوير الفيديو لم يكن قد اعتُمِد بعد في بداية تأسيس تلفزيون لبنان.

اذكر انه اتصل بي بعد ايام من بث التمثيلية التي احدثت ضجة كبرى آنئذ باعتبار انها اول عمل تمثيلي تشارك فيه نخبة من الفنانين، اتصل بي الصديق المرحوم عزالدين صبح مدير البرامج العربية في التلفزيون، واخبرني ان هناك شاباً اسمه حسن علاء الدين يدق بابه يومياً ويرجوه ان يقدم او يشارك بأي عمل تمثيلي فكاهي مقبل، لانه يعشق الكوميديا ويحلم بان يكون ممثلاً كوميدياً مشهوراً، وقال لي عز الدين: “رح ابعتلك هالشب عالاذاعه، شوفو واذا لمست انو عندو موهبه، بتمنى تكتبلو شي سكتش زغير نقدمو فيه عالتلفزيون، وهيك منمتحن مقدرتو الفنية!!”.

وجاءني حسن الى مكتبي بالاذاعة… شاهدت شاباً نحيلاً جداً متوسط القامة دائم الحركة.. ولاحظت لهفته الكبيرة وشوقه للتمثيل سواء في الا ذاعه او التلفزيون، وطلب مني أن اكتب له اسكتشاً تمثيلياً كما وعده عز الدين صبح، فوعدته بدوري خيراً..

لكن في الواقع فاجأني حسن بطريقة نطقه لحروف الكلمات.. عدة احرف كان ينطقها خطأً ويلذغ بها.. فهمت في ما بعد انها “خصله” متأصلة فيه منذ الصغر ولا يمكنه التخلي عنها…

تعددت جلساتي معه، وهو يزيدني الحاحاً من اجل الكتابة له… وبالفعل كتبت له سكتشا عنوانه “حرامي بالبيت”، واخترت الفنانه الكبيره وفاء طربيه -اطال الله بعمرها- لتشاركه بدور الزوجه، وبعد بضعة جلسات تمارين قدما السكتش معاً على الهواء ولاقى اعجاب ادارة التلفزيون والمشاهدين.. عندها اخبرني واخبره عز الدين بقوله: “رح جرّب اعرض موضوعه عالادارة، وهيي يمكن تقرر تخصصلو برنامج بعد اقرار الميزانيه”.

ومن شدة لهفة حسن واشتياقه للمشاركة بأي عمل فني، جمعتُ بينه وبين الفنان المرحوم محمد شامل، الذي كان بذاك الوقت يكتب ويقدم في الاذاعة برناماجاً تمثيلياً اجتماعياً.. وراح حسن يتردد على شامل ويلح عليه لاشراكه بأي دور في برنامجه الاذاعي هذا.

 ونزل شامل عند رغبة والحاح حسن وراح يشركه ببرنامجه بجملة او جملتين في كل حلقة، الى ان تم تأسيس تلفزيون لبنان والمشرق، وطلبت الادارة من محمد شامل حينها ان يكتب برنامجاً للاطفال يقدَّم اسبوعياً..

وكتب فعلاً شامل البرنامج ورسم شخصية ولد اطلق عليه اسم “شوشو”، وكان شوشو ابرز واهضم الاولاد المشاركين في البرنامج هذا، وسجل حسن علاء الدين بهذه الشخصيه نجاحاً منقطع النظير، وراح جميع الاولاد اينما كان يرددون عبارة شوشو الشهيره وعلى طريقته “كيفك يا شخص؟”.

ومن هنا بدأت رحلة حسن الفنية … انطلق شوشو الاسطوره الفكاهيه باسمه هذا، وصار يشارك بمعظم الاعمال التمثيلية الفكاهيه اذاعياً وتلفزيونياً وسنيمائياً، الى أن تمكن بفضل نجاحه واقبال الناس عليه ومحبتهم له، من تأسيس مسرحٍ خاصٍ به (المسرح الوطني) يقدم فيه اعمالاً مسرحية يومية، بمشاركةِ كبار الممثلين اللبنانيين والمصريين، تحت اشراف كبار الكتاب والمخرجين، بحيث كان من رواد مسرحه هذا، جموع الناس وكبار القوم من سياسيين ومفكرين من لبنان والعالم العربي. وطبقت شهرته الآفاق واصبح شوشو الاسطورة الفنية الفريدة التي تعلق بها الناس وانطبعت في ذاكرتهم علامةً مضيئة من علامات الفن الراقي الذي تميز به لبنان عبر التاريخ.

رحم الله شوشو، لكم كنا نتمنى ان يمد الله بعمره طويلاً ، لكي يغني عالمنا دائماً بالفرح والسعاده.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *