أسطورة المعلمين

Views: 551

يوسف طراد

في أساطير الجاهلية مخلوقات أسطورية، وفي الطبيعة احيانًا ما هو أغرب من الخيال. لكن في ذاكرة الأطفال والمراهقين عظماء لم يُعرف لهم قدر الّا عند حدود العمر.

في رواية القرية، وخلال أحد فصول طفولتنا، التي ضربها الفقر والبؤس أبان الحرب الاهلية -كان طفل- وقد نبتت فيه فجأة والآن تلك الكلمات المحبّبة، كلمات طفرت في روحه، طرية بقساوتها، موجّهة، هادفة للعلم والتقوى والسلوك الحسن، تلك الكلمات التي امتشقها ذلك الطفل وكانت شراعه في عواصف بحر الحياة، كلمات صدرت من روح أبية إنها روح أسطورة المعلمين الأستاذ أنطونيوس العكّاري.

 كيف أنسى احتضان كفه لمقلب كفي موجهًا القلم في مسار السطور، وكيف شرعت اليدان بالكتابة والقلم بالنطق.

 

إنها اللّحظة البهية، لحظة انتقال الأطفال من عصر قلم الرصاص إلى عصر قلم الحبر السائل.

نزلت تعليماته علينا نبراسًا، كيف نعبئ القلم من المحبرة بعد تركيزها وكيف نفتحه. كيف نقفله وكيف نعامله بلطف كي لا تُكسر ريشته، وكيف نحافظ على حبره الغالي، بإقفال المحبرة بإحكام بعد التعبئة. وكيف كان يحمل الأقلام والمحابر ويهبها إلى الذين لا يستطيعون شرائها، وكيف وكيف…

كيف قال لنا أن العلامة العالية ليست للقلم الجميل بل لإنشائه البهي، مستشهدًا بقول الأديب الياس أبو شبكة:

“إجرح القلب واسق شعرك منه

فدم القلب خمرة الأقلام”

فكيف للأطفال أن يفهموا كيف تجرح قلوبهم. وفهمنا مؤخرًا بعد شرحه لهذا الشعر في المرحلة التكميلية.

بعد كل حفل للنادي كان يزهو بفخر، كيف لا وهو زنبرك هذا النادي وحافظ مكتبته والضابط اللوجستي فيه، يوزّع المهام وينفذ ما يهمله أغلبهم دون تزمت.

من زهوه تعلمنا معنى فخر وعزّ القرى، من تواضعه تعلمنا عمليًا ما شرحه لنا في الانجيل: “فمن يرفع نفسه يتّضع ومن ويضع نفسه يرتفع” (مت 23 :12). من حبّه للأرض تعلمنا الانتماء وعشق الطبيعة، من كلامه الساحر تعلمنا أن المجتمع المحبوب مجموعة أناس أحباء، والوطن السعيد مجموعة قرى سعيدة.

رحمه الرب القدير.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *