لُطفك يا ربّ
خليل الخوري
بينما يتلهّى أهل السياسة بالقيل والقال، وفي منأى عمّن معه الحق وعمّن يُجانبه، يحطّ فيروس Covid-19 في كلّ مكان من لبنان، بل في كلّ بيت تقريباً، مُخلّفاً الحزن العميق والخسائر العالية جداً في الأرواح…
إنّ الخلاف على جنس الملائكة وأيضاً على أسماء الوزراء لن يؤدي إلى التخفيف من فظائع جائحة كورونا التي تجاوزت إلى حدّ بعيد ما كان يتوقّعه أكثر المتشائمين.
هناك عائلات أُبيدَت. فبعض المنازل والعائلات إقتحمها الفيروس اللعين وأتى على غير واحد فيها، ليس من حيث الإصابة وحسب بل أيضاً من حيث الوفيات.
على سبيل المثال لا الحصر هذه النماذج:
أسرة فقدت الأب والأم والولدين الشابَين وشقيقتهما.
أسرة ثانية فارق الحياة فيها، جرّاء الفيروس، الأب والأم بفارق ثلاث ساعات بينهما.
أسرة ثالثة أُصيب الوالدان ثمّ امتثلا إلى الشفاء بينما سقط ولدهما الشاب ضحية كورونا، وهو عريسٌ لا يزال في شهر العسل.
أسرة رابعة تلقّت زيارة من الإبنة المتزوّجة لتتفقّد والدَيها فوجدتهما في حالٍ دقيقة جداً. والمؤسف أنها نقلت العدوى إلى أسرتها الصغيرة، فأُصيب زوجها الشاب وفارق الحياة.
والأمثلة لا تتوقّف، وقد بلغ عدد الوفيات عندنا الآلاف!
ومن النماذج المؤذية جداً وفاة إبنة الثلاثين عاماً (وقد أُصيب وفارق الحياة كثيرون في هذه السنّ) وعانت آلاماً مُبرّحة وسجّلت رسالة صوتية حثّت فيها على ضرورة أخذ الكثير من الحيطة والحذر «لأن كورونا مش مزحة». ولم تلبث أن أُصيبت بنكسة أودت بحياتها بعدما ظنّت أنها تماثلت إلى الشفاء.
وأما الأطفال الذين سقطوا في هذا الوباء، فيُدمون القلوب ويولّدون حزناً مُقيماً خصوصاً أنّ بينهم تلك الطفلة بنت السنة الواحدة، ما يُخالف المُتداوَل عن قصور الجائحة عن مُطاولة الأطفال كونهم يتمتّعون بمناعة طبيعية. ولكنّ الفيروس يتكشّف كلّ يوم عن خبثٍ جديد.
وبين هؤلاء وأولئك الضحايا الأبرياء، الذين يحصدهم الوباء، يجد كلّ منا أنّ له بينهم أحباباً وأقارب وأتراباً ورفاق درب وزملاء وأصدقاء أعزّاء، ترتفع الحسرة عليهم والحزن على فقدانهم قدر ما ترتفع أرقامهم مع كلّ نشرة تصدُر عن وزارة الصحة والمستشفيات والمنصات المعنية.
ولا يُخفّف من الحرقة كون هذه الكارثة الصحية ليست وقفاً على منطقة أو بلد أو قارّة، فالحقيقة الأهمّ أنّ «الجمرة لا تحرق إلا مطرحها».
«اللهم لا أسألك ردّ القضاء إنّـما اللطفُ فيه».
