كنزة الصوف

Views: 824

د. جان توما

تعود صنارتا جدّتك لتغزلا من كبكوب الصوف شالًا أو كنزة، في تلك الليالي الممطرة الطويلة. ترقب لقاء الصنّارتين لتخرجا من اجتماعهما بألف قطبة وقطبة، ولتحفرا في ذاكرتك ألف قصّة وقصّة.

كم أوقفتك الختيارة مرارًا لتأخذ قياس كتفيك أو ذراعيك، قبل أن تجمع القطع المشغولة بسهر العيون، وحبّ الأحفاد، لتكون دفئًا لك في زمن البرد القارس والهواء الشرقيّ، وتزداد حرارة بعد أن تلبسك إياها والدتك مع قبلات تشتاق إليها في كلّ آن.

ثم أتت آلة الحياكة، فراحت معها حرارة الأيدي المباركة الطافرة بشرايين العمر، وضاعت الصنارتان، كما ضعنا في متاهات الحياة. صارت كنزة الصوف تنتهي في يوم واحد، ولم تعد الليالي طويلة السهر، واختتمت سهرات التحلّق حول كانون النار النحاسيّ والقصص التي لا تنتهي.

وراحت الآلة، وصارت رفوف المحلّات مزدانة بعشرات الكنزات بالألوان الساحرة المغرية. يخرج القلب كلّ صبيحة يبحث عن صنارتيّ الصوف وكبكوبهما. تتسمّر أمام العمر السريع، ترتفع الوجوه الساهرة والعيون المُتْعَبَة، تدخل لتنام فتشعر أنّ يدَين أليفَتين ترتّب غطاء السرير لتقيك برد الليل، ولتعيدك إلى دفء ملاعب طفولتك، واشتعال كانون نار الذكريات في قلبك لتصوغ صنارتا أحلامك أجمل المواعيد.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *