فرح أنطون… يمينه حبكت إكليله الخالد

Views: 58

وفيق غريزي

عاش حياته متًقدا، يريد ان يقول كلمته باسرع ما يمكن، وكاًنه كان يحس أنه سيمضي سريعا. ان يكون الانسان ثوريا نشيطا فهذه مساًلة محتملة، اما ان يقضي حياته ملتهبا، فهذه مساًلة اخرى. سريعا اتى وذهب.. كالشهاب مرً.. واختفى.. عاش حياته القصيرة وكاًنه يدرك قصرها. يكتب ويقراً ويقول ولا يضيًع وقتا، انه المفكر اللبناني فرح انطون…

 من رحم لبنان ولد

ولد فرح انطون في طرابلس، عاصمة لبنان الشمالي (الفيحاء) لاب تاجر اخشاب، وفي كفتين تعلًم، وفي الاسكندرية في مصر حرًر “صدى الاهرام”، وفي القاهرة حرر “الجامعة” وعشرات الصحف غيرها. قال عنه اصحابه في فكاهة باكية “انه تخصص في اغلاق الصحف”. قلمه الحار الدافق كفيل باستصدار قرار من قلم المطبوعات بتعطيل اي جريدة يعمل فيها.

 تاجر مع ابيه في الاخشاب، ثم استقل بالتجارة لنفسه، لكنه ابتعد عن هذه المهنة لأنها لا تحقق طموحاته، ولا تتفق مع ميوله، ولان نفسه توًاقة الى الاعمال الفكرية.

 لقد تولى ادارة مدرسة اهلية في طرابلس انشاًتها جمعية خيرية للروم الارثوذكس، لكنها لم تكن مدرسة طائفية، فرئيسها بروتستانتي والمدير والناظر مارونيان، واستاذ اللغة العربية مسلم، فتركت هذه المدرسة المختلطة اثرا مهما في نفوس تلاميذها، بل وفي نفس مديرها فرح انطون، الذي احس أهمية التخلًص من التعصًب الطائفي،. فكتب قائلا: “إن هذه المدرسة قد تركت اثرا ادبيا لم يبرح نفسي قط، ولعله كان ذا تاًثير على افكاري في كل حياتي”. (editorialrm.com)

 وفي طرابلس أسس جمعية ادبية، ثم استقر راًيه في النهاية على ان يتخذ صناعة القلم حرفة شريفة، وهو يعتقد انها خير ذريعة لخدمة الشرف. ولأن مصر هي في نظره ونظر الكثير من المبدعين والمفكرين المركز الاوسط للعالم العربي. ومنه تنتشر الخدمة الوطنية الأدبية الى جميع الجهات، قرر ان يخوض معركته فوق ارضها…

فرح انطون

 

*

الانطلاقة في مصر

وصل فرح انطون الى الاسكندرية عام ١٨٩٧، وبداً الكتابة باًسماء مستعارة في صحف عديدة. ومن اشهر مقالاته انذاك مقال نشره في جريدة “الاهرام” بعنوان “دائرة الحق” وقّعه باسم “سلامة”. وبعد ذلك بداً في اصدار مجلة “الجامعة” في العام ١٨٩٩، وفي البداية سمّاها “الجامعة العثمانية”، داعيا في صفحاتها كل شعوب الشرق التي تحكمها الدولة العثمانية الى العمل المشترك ضد الغرب الاستعماري، لكنه كان يروًج ايضا فوق صفحاتها علوم الغرب، وكثيرا ما يتردد فيها من اراء ومذاهب.. فكان شرقيا يكره اوروبا، لكنه يحب الكثير من عقائد الغرب الاجتماعية.

ازدهرت الجامعة ازدهارا غير متوقًع.. “ولقي الادباء والمفكرون في هذه المجلة الطريفة معنى ومرتعا” ولما انتقلت جريدة “الاهرام” من الاسكندرية الى القاهرة طلب منه المرحوم تقلا باشا ان يتولًى تحرير “صدى الاهرام” بالاسكندرية، فلبى الطلب ووعد الباشا ببيعه اياهما متى استتب امر “الاهرام” في القاهرة، فبقي فرح انطون يحرر “الصدى” مع “الجامعة” نحو ستة اشهر، ثم راًى تقلا باشا ان يلغي “الصدى”. فالعاهل، ثم اصدر لشقيقته روز زوجة المفكر اللبناني نقولا الحداد مجلة “السيًدات” وكان يعاونها في تحريرها. وفي العام ١٩٠٧ اقترح عليه ابن عمه الياس انطون التاجر في نيويورك ان ينتقل الى الولايات المتحدة، وان يمارس نشاطه الصحافي هناك، باعتبار ان المغتربين فيها حقل واسع لبث مبادىء الحرية…

في الولايات المتحدة

سافر فرح انطون مع اخته روز وزوجها نقولا، ليواجهوا مصيرا جديدا، وهناك اصدروا “الجامعات” نشرة شهرية واخرى اسبوعية وثالثة يومية، لكنها سرعان ما توقفت لاسباب مالية. وخلال وجوده في الولايات المتحدة الاميركية تبنى فكرة عمل المغتربين اللبنانيين بالزراعة، وحثهم على ذالك. واستكتبهم عرائض تطالب الحكومة الاميركية بمنحهم الارض بشروط سهلة…

عمله في المسرح

ثمة مرحلة مهمة من حياة هذا المفكر اللبناني، هي مرحلة تفًرغه للمسرح.. فبين اغلاق الصحف وهجرته، وبين صدور “الاهالي” مضت سنوات قاتمة في حياة مصر، سنوات فرضت فيها الحماية البريطانية، ونزلت قبضة الاحتلال بكل قسوتها لتسكت كل صوت معارض. وفي هذه السنوات انغمس فرح انطون بشكل كامل في كتابة المسرحيات، وراح ينقاد لضرورات المسرح ارضاء لمنيرة المهدية والوسط المحيط بها….

موته الجسدي

لقد قضى المفكًر فرح انطون حياته في حالة تاًجج دايم، وعندما دخل حواره الشهير مع الشيخ الامام محمد عبده، اذاب نفسه تماما في هذا الحوار، هكذا عاش، كاًنما يسري من حيث لا يعلم الناس الى حيث يعلمون. اثقل فرح انطون كاهل نفسه بقراءات واسعة من كتابات جان جاك روسو. ورينان، وفولتير، وكونت، وداروين، ونيتشه، وماركس، وتوليستوي، وابن رشد، وان طفيل، والغزالي، وعمر الخيًام وسواهم.

 استمر في نضاله الفكري حتى وافته المنية، وقد كتب في اوراق منثورة: ” ان نفسي ستسكن بعد وفاتي في خرايب كنيسة القدًيس ميخائيل، بشكل طير البحر الابيض، وسيبقى هذا الطير هائما في الليل حول الكنيسة ونوافذها تائها عن المدخل، شاكيا متاًلما: “وهكذا تبقى نفسي المسكينة هائمة متاًلمة حول هذه الاكمة الى الابد”.

لقد كان فرح انطون يعبق بجهاد رسولي، فبيمينه حبك اكليله الخالد.. وبريشته الساحرة طرًز ثياب العرس، انه مفكر لبناني ساهم في النهضة العربية الحديثة…

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *