هل يتغيّر الإنسان نحو الأفضل؟

Views: 438

بيار أديب ضاهر

  نظريّة النشوء والتطوّر ل داروين باتت من المسلّمات في العلوم، رغم عدم العثور على “الحلقة المفقودة”، تلك التي تربط الإنسان بأصله المشترك مع القرود، وبالرغم من استغلال هذه النظريّة عند رواجها في القرن التاسع عشر لدعم ادّعاء تفوّق عرق بشري على سواه من الأعراق، وما جَرّ الأمر من ويلات سيطرة النازيّة والفاشيّة على أوروبا في ثلاثينات القرن العشرين، واندلاع الحرب العالميّة الثانية والفظاعات التي ارتكبت باسم التفوّق العرقي والمجال الحيوي، وصولاً إلى التمييز العنصري وسواه من أشكال العنف والإساءات. لكن هل كان داروين على حقّ فعلاً؟

تشارلز روبرت داروين

 

  نشر العالِم الإنكليزي تشارلز روبرت داروين (١٨٠٩ – ١٨٨٢) نظريّته، التي اشتهرت في ما بعد، في كتابه “أصل الأنواع” – عام ١٨٥٩، وتنصّ على تطوّر الكائنات الحيّة جميعها، عبر الإنتقاء الطبيعي، من أصل واحد مشترك. وقد نقل داروين فكرته عن عالِم سبقه، هو الفرنسي جان باتيست لامارك (١٧٤٤ – ١٨٢٩) الذي قال بأنّ الكائنات تتطوّر لتُكيّف نفسها مع بيئتها، ثمّ تعمد إلى توريث هذه الصفات المكتسبة، عبر التطوّر، إلى أبنائها. وعَدّل داروين فكرة لامارك، لتصبح أنّ الكائنات تتصارع للحصول على الموارد في محيطها، بحيث يكون البقاء للأصلح الذي يحصل على تلك الموارد وينمو ويتكاثر، عكس باقي الكائنات.

جان باتيست لامارك

 

  تنامى حجم السجلّ الأحفوري، أي بقايا الكائنات الحيّة المتحجّرة المعروفة، وتزايدت الدراسات والنظريات العلمية، حول الجيولوجيا وتكوّن الحياة على الأرض، وظهرت علوم جديدة، مثل علم الجينات، مع التطوّر الذي عرفته البشرية منذ عصر داروين في المجالات المختلفة، لتُظهر نقداً لنظريّة التطوّر من نواحي علميّة عديدة، منها مثلاً بقاء العديد من الكائنات على حالها، دون أي تطوّر، لملايين من السنين، وكذلك غياب البرهان على تطوّر نوع من الأنواع خارج ما تسمح به جيناته الحيٌة. بالإضافة أيضاً إلى النقد الفلسفي والديني الذي يُوجّه إلى الذين يحوّلون نظريّة التطوّر إلى طرح ميتافيزيقي يهاجمون عبره الدين.

 

  واليوم، بين ما وصلت إليه العلوم والتكنولوجيا وثورة الإتصالات من أسباب الرفاه والراحة للإنسان، وبين ما يصنعه الإنسان كذلك من قتل لأخيه الإنسان وحروب مدمّرة للحياة وللحضارة وتلويث للبيئة والقضاء على التوازن البيئي وعلى العديد من الأجناس الحيوانية والغابات حول العالم، يتجلّى لنا بالمحصّلة كائن بشري فيه من الإزدواجيّة والتناقضات أكثر ما يحوي من انسجام داخلي ورُقيّ في التعامل؛ حتّى ليخال لنا أنّ الإنسان هو مخلوق جهنّميّ غريب مُدمِّر، وليس قرداً قد تطوّر بفعل عوامل طبيعيّة فحسب!

ما هو الإنسان إذن؟ ذاك الذي أعيا الأديان والفلسفات وأعجز العلوم؟ هل ممكن لهذا الكائن الغريب أن يفهم نفسه أوّلا، ليستطيع أن يفهم بحقّ عالمه الأرضي وبعض الكون الرحب الشاسع؟ وكيف يمكن للإنسان أن يَفهم الإنسان الآخر وهو ينظر إليه بعين الريبة والشكّ والأفكار المسبقة؟ ألا يجدر بالإنسان هجر “الصراع في سبيل البقاء” إلى تعاون جميع البشر في سبيل خير الجميع وديمومتهم وبقائهم جميعاً على أرض بات يخنقها التلوّث البيئي، والتغيّر المناخي، وسوء إدارة الموارد الطبيعيّة، وتجتاحها الأوبئة الفتّاكة؟ تساؤلات محقّة حول مصيرنا قد تكون هي كلّ ما يميّزنا عن جنس القرود، مصير نخطّه نحن كلّنا بتكافلنا وتضامننا، وحلم ربّما ننجح بتحقيقه معاً!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *