الردّات الشعرية العامية اللبنانية: نماذج وأخبار

Views: 971

بيار أديب ضاهر

 

بالسما غيمة

عالدنيا خيمة

للدنيا أسرار…

وتطلّ شعلة نار

لا بعلمك وعلمي

خلف العلم في اخبار

مخبّاية ب أشعار

تبتدي ب كلمة

وتنكشف أسرار…

ربّما هكذا هو الشعر: بوابة الفكر نحو الحقيقة الإنسانية والكونيّة الهاجعة في كلّ واحد منّا… وتصعب الأيّام علينا لتبقى الكلمة ومنابرها مجال التعبير الوحيد الممكن للإنسان في غياب الديمقراطية الحقيقية والحريّة القادرة والحقوق المرتبطة بالواسطة والتبعية… كلمتنا هي نحن، اذ يقول فولتير: أسلوب التعبير هو الإنسان! ونحن كلمات مبعثرة على دفاتر سنيننا لا تتوحّد وتضيء وتشرق إلّا في الشعر!

 

والشعر العامّي اللبناني هو صورة عن القرية والتراث والعادات والتقاليد والأمثولات الشعبيّة، كما هو سجلّ للنوادر والحكم والطرائف وأخبار الناس… من هذه الأخبار، قصّة انهيار مبنى ملهى “كوكب الشرق” في ساحة البرج في بيروت عام ١٩٣٤، والذي أودى بحياة أكثر من ثلاثين شخصاً، عندما قرّر أحد شاغلي البناء في الطابق الأرضي، والذي كان لديه مطعم للفول والحمص، أن يزيل بعض الأعمدة ليوسّع المطعم، فكان أن انهار البناء برمّته، ودرجت ردّة:

مش معقول ومش معقول يهدّ الكوكب صحن الفول!

كما تعكس الردّات في ختام القصص الشعبيّة المتوارثة دروسا في الحياة:

جهلناك وظّفناك

اختبرناك عزلناك

إيدك في الكتاب

ورجلك في الركاب!

والقصّة هي عن موظّف مرتشٍ فاشل صدر أمر بعزله من وظيفته، وعليه التوقيع على كتاب وصول الأمر إليه، والرحيل راكباً دابّته…

وفيها من قصص القرية القديمة:

شاعر البيّاض تقبر عيشتك

قضّيتها من تينتك ل عريشتك

صار عمرك فوق الأربعين

وبعدها عالعفير حشيشتك!

وهي قصّة الأعزب في المجتمع القروي والأزمة التي يعيشها في نفسه ومع مجتمعه وتقاليده الصارمة والظالمة في أحيان كثيرة.

ولدينا الأشعار القصيرة التي فيها لعب على الكلام، وكانت تُروى للصغار في إطار الترفيه وتمرين الذاكرة على الحفظ كذلك:

قلتلّك ت تقول لها

جيت قلتللي قلتلها

كيف بتقول لي قلتلها

وقالتلي ما قلتلها؟

او أثناء الألعاب:

جمل ماشي

عالمماشي

جيت ت ضُمّه

خطف شاشي!

والشاش نسيج رقيق كان يُستعمل كغطاء للرأس.

والردّات التي كانت تغنّيها الأمّهات لصغارهن:

هاي هاي هاهينا

دستِك لكنِك عيرينا

ت نغسّل تياب …

وننشرهم عالياسمينه!

واللكن والدست هما من الأوعية النحاسية القديمة التي كانت تُستخدم في الطبخ أو غسيل الثياب…

ومنها أيضاً أشعار تعكس النقمة الشعبيّة على الحكم الجائر وفساد البطانة والأعوان:

الدابة مشيت ع مهلا            ت يركب ابن شهلا

ولمّا شافها الشيخ سليم    عنطز ركب بضهرا…

عن حبيب أبو شهلا وسليم الخوري شقيق الرئيس الشيخ بشارة الخوري والفساد في أيّامهم…

الرئيس بشارة الخوري

 

 وهناك ردّة حول الرئيس بشارة الخوري بعد وضع لوحة الإستقلال التي تحمل اسمه عند صخور نهر الكلب:

ابن الكلب ب نهر الكلب   حافر اسمه ع الصخرة

وقد طغت صفة الفساد على حكم الرئيس الخوري، وتضاعفت إثر التجديد له لولاية ثانية، بعد أن كان اسمه مرتبطاً بمعركة استقلال لبنان وجلاء الأجنبي عنه.

 

ردّات شعريّة قصيرة، لكنّها معبّرة وسهلة الحفظ، فتداولتها الأجيال إلى اليوم، زمن الحجر والكورونا والغلاء والأزمات السياسية والاجتماعية… فتعود بنا الذاكرة إلى تلك الأشعار والأخبار لنعيد إحياءها، لا رغبة في الاحتفاظ بالقديم والعتيق البالي، بل لنتذكّر معاً كم كانت الأشعار والنوادر تلطّف أجواءنا وتزيّن سهراتنا وترافق لعبنا وعملنا وأفراحنا وأتراحنا ، ولنرى كم تصلح لتوثيق جانب ملفت من تراثنا وعاداتنا وصفاتنا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *