خليل روكز… “جبران الشعر العامي” في الزمن الجميل
المحامي معوض رياض الحجل
اشتهر لبنان منذ عقود بالزجل المستوحى من جمال البلاد وجبالها الخضراء الشامخة، وقد عرف اللبنانييون عدة شعراء عباقرة منهم: شحرور الوادي “أسعد خليل” وعلي الحاج ورشيد نخله، وغيرهم، بعد هؤلاء الكبار صعد إلى المنبر الشعري شاب موهوب، متحمس، مرهف الحس، أحبه شعره كل لبنان من شماله إلى جنوبه، هذا الشاعر الراحل هو خليل روكز. لم يتح الدهر فرصة كبيرة من الحياة لهذا الشاعر الشاب لكنه وبالرغم من عمره القصير أثبت بأنه شاعر يتمتع بموهبة استثنائية.
مولد روكز ونشأته
ولد خليل روكز في قرية وادي الليمون قضاء جزين عام 1922 لعائلة فقيرة. لم يتلق دروسا مدرسية سوى لشهرٍ واحد على يد معلم الضيعة آنذاك. ارتجل أول قصيدة شعرية في حياته لما كان في الثامنة من عمره فقط، وقد أرتجلها يوم زيارة المطران باسيليوس خوري للبلدة.
في العام 1944 صعد المسرح الزجلي لاول مرة مع رفيقه جوزيف الهاشم المعروف بــــ “زغلول الدامور”. في العام 1956 الفّ جوقته الشعرية التي أسماها “جوقة الجبل” وكانت تضم: موسى زغيب ،أنيس الفغالي، جريس البستاني والسيد محمد المصطفى. وصل نجاح جوقته وشهرتها إلى القمة بعدد الحفلات التي أحيتها في لبنان. قام روكز بعدة رحلات فنية إلى الدول الافريقية حيث التقى بالجالية اللبنانية هناك وأحيا عدة حفلات خاصة مع زميله في الجوقة الشاعر موسى زغيب. وبالرغم من صغر سنه، نال عدة جوائز تقديراً لاهمية شعره.
ترك مسقط رأسه، أي قرية وادي الليمون وأقام في بلدة مزرعة يشوع – المتن الشمالي.
في تشرين الثاني من عام 1962دخل المستشفى لاجراء عملية جراحية توفي على أثرها عن عمرٍ يناهز الأربعين عاماً، طاوياً بذلك صفحة مضيئة واستثنائية في تاريخ الزجل اللبناني، وقد فجع لبنان كله بوفاته، ورثاه الشعراء والصحف والمجلات المحليّة.
“جبران الشعر العامي”
كان بعيد النظر وحاد الذكاء، وقد صُنِّف كشاعر واسع الافاق والخيال إلى حد وصفه البعض معه بأنه “جبران الشعر العامي”.
اتسم شعره بالصراحة والحزن أحياناً، وركّز في قصائده على: الغزل، النخوة، حبّ لبنان ونبذ الطائفية الهدّامة…
برز في مباريات المتين، حيث تبارى مع عدة شعراء لبنانيين منهم زين شعيب، والّف أحد عشر ديوانًا في مضمار الشعر هي: حرمان، ابن الحرمان، كفر وايمان، هند وجميل، دموع الطير، النسمات، القمر، روحين، يقظة الاحلام، مع المغتربين، والاسرار. وقد امتلك خامة صوتية جميلة واشتهر بترداد كلمة”آخ” قبل البدء.
الشاعر الراحل أسعد سعيد قال إن ما تفرّد به روكز “لا نستطيع تسميته قفزة على مستوى انما قفزة نسبية، وقد تمثل بإنتاجه الذاتي، أي الانتاج الذي يتعلق به كشخص. فهو شاعر عانى عذاب معايشة الكلمة كثيرا”.
أما الشاعر موسى زغيب فقال: “ظروف خليل روكز فرضت عليه المعاناة الاولية. كانت له ظروف معينة. ونعتبره قفز بالزجل اكثر من غيره لأنه نجح بالحقلين: عندما كتب لنفسه كان أجمل ما كُتب وما يُغنى على المنبر. كانت له جولات وجولات. خليل روكز شاعر بجناحين. ومن يفقد أحد الجناحين كمن يسير على رجل واحدة. والتقدير الكبير الذي لقيه خليل روكز كان بعد موته أكثر من حياته. ولا اقول أننا ساهمنا بهذا التقدير بل نحن أبرزنا معالمه، فسميت الجوقة “جوقة خليل روكز”.
المواعظ
هنا قصيدته “المواعظ”:
يا عاشــق الدنيا ومـطامعهـا
وسـابح بإحـــــلام العدم معهـا
عـا قـد ما يلـعب زمـانك فيك
لا تحــط نفسك غـير موضعها
إمشي متل ما الـرب أوصـالك
درب الهـــدى والنور أحـلالك
ما بينـفعك غـير حسن أعمالك
مهما النفس بالجــهــل تــرفعها
خليك عاغصـون الفضيلي طـير
وصـوب النميمـي لاتجـد السير
والله خلق للنــــاس شر وخير
نـقـــي طريق الخـير و اتبعهــا
واحـفـظ لـسـانك قلـبـك بينسر
وبطــول حـبـل الحكـــي لا تنـغر
وان وصـلت لحـدك طـريق الشر
في قــــــدر امكـــــانك امنعهـــا
لا تعيش فتنه ولا تعيش ذلــيــــل
أمـشـي مــع الــقــرآن والانجــيــل
ومش كيف ما مـال النسـيم تمـيل
عـيـنـك اذا بتـميـل اقلـعـهـــــا
إيــــاك تعبد إســـم باشــا وبيـك
بتخـــدمو بيشوف حـــــالو عليك
وإيـاك تنـسـى الجسر فـي عينيك
وقـشـي بعيــن الغـــــير تقشـعها
اتعـب على التفكـير باللإنـسـان
وبالصـداقـة مكــــــن الـبـنـيـان
قـمـح الصلـيبي ما بيـجني زوان
بتـجني متـل ما الأرض زارعـهـا
خليـك حاسـب للـزمان حساب
ولا تـغـرك كــتــرت الاصحــــاب
الاصـحاب لمـا بيـبرم الدولاب
بتـصـير تــبرم عـــــــا منافعهـا
ايــــاك تفـتـح للـنفاق مجــــــــال
وتعمل تجـاره بحكـي قيل وقـال
وايــاك تقبض حكـي من دجال
حتـى الإهــانـة انت تسـمعها
وايــــاك تدخـــل مصـلح بعلقه
وتجـر شـر ان كـنـت ما بتلقه
وايـــاك تتمسـخر على خلقه
الله مـثـل للــــنـــاس صـانعها
وايــــــــاك تاكل عالفقـير حــقــوق
وتظهر شماته عـا شـخص مشنوق
ايــــــــاك تتكـبر علـى مخــلـــوق
الكـبريــا للـــــــــــــــذل مـرجـعها
واصحـى تذم الـنـاس بالجملي
والحملتـين لا تقيمهـن حمّلــي
وبالمعيشـة تـأمــــــل النملــي
بالصيــف مـونتـها بتـجمعها
صـــــــــوب الجهل والطيش لاتقّـربْ
ولاتهـين نفسك مـن أجـــــــل مأربْ
شـوف الدجاجي بعد ما بتشـربْ
للـــســـما بتـرفـع طـلايعها
لا تحسد العاقـل وابـن الجــود
كـــــــون متلـو بتربـح وبتـسـود
وأيــــاك تنهـي عالخـطأ وتـعـود
درب الخطــــايا انت تتبعهـا
لا تبـوح ســـــرك مع شـباب كتار
وايـاك تلعـب مـــــــع ولاد صـغار
وان كنت جالس مع رجـال كبار
خلــــــــي احــــــاديثـك بمـوقعهــا
لو شـفت حالك للـسـما تعليّت
إيـــــــاك تنـسـى محـل ما تربيـت
وإيـاك تعـشـق غير بنت البـيت
الحـره الـشـريفه فـي طـبايعها
لاتقـول عن حـالك من الشـطار
درب الطويلـي بتكـشـف المعيار
ومرتـك اذا كانت مـن الاشـرار
فـوت …. من حقك واقنعها
آدم تبــع حـــــــــوا بـلا تفكـير
لا تكــون متل آدم بسيط كتـير
وان كـان في عندك دمـاغ كبـير
عــــــــا قتل نمـله لا تطـــــاوعها
امــــك علـــى مربـاك كافيـها
ومتـل الرمـــد بالعـــين داريها
وبنتـك اذا بتقصـــد تـربيـها
ليّن كــلامك عـا مـسـامعهـا
ما بينـفعك خـــــالك ولا عـمـك
ومنـشـان ما تخلـي حـدا يذمـك
احــفظ كرامــــــة بيّــك وامــك
هـالغـسـلت وجـهـك بمـدامعها
“تذكار”
وهنا قصيدته “تذكار”:
بعدك بفكري ولو كنت عنك بعيد
وكل ما بعدت عنك غرامي عم يزيد
ومهما يقولوا البعد والغربة جفا
لاتصدقي بعدو معي حبك جديد
وكل ماعليي ينشلح ليل الجفا
بسهر بربي بغربتي طفل الوفا
وببعت إلك حصة عيوني من الغفا
ودمعة حنين بكل بيت من القصيد
هديتك من عيوني الغفا تاتشبعي
نوم الهنا وأحلام خضرا تقشعي
حتى تشوفي بغفوتك حبك معي
ورسمك بإيد ومحرمة ذكرك بإيد
مالي سمير على النوى غير النوى
وذكريات بخاطري تقسم نوا
إنتي عا تلة برد وجليد وهوا
وقلبي بصحرا شوق أقوى من الوقيد
وبينك وبيني كل شي طال المدى
الله وكيلك ماهتف قلبي لحدا
ومن كتر ماتمتمت إسمك ياهدى
صار غنية على شفاف العبيد
ولو بتعرفي قديش عندي إشتياق
شوقي إلك شوق الملوح للعراق
وشوق والد دوبو جمر الفراق
حتى عيونو يقشعوا طفلو الوحيد
وديت عالميلاد روحي زنبقة
عنوان حبي البكر صورها البقا
حتى تعزيكي بميلاد اللقا
وترجع تهنيكي على الفصح المجيد
عتبتي وقلتي ليش مابتبعت سلام
وما وصلك المكتوب شو عليي ملام
وديت لك مكتوب نهدات وهيام
يمكن يكون الحبر نشف عالورق
يما احترق في قلب صندوق الحديد
