بين الصمت والغياب

Views: 427

سليمان بختي

 

كتب لي صديقي في رسالة الكترونية: “لمحتك صامتا ساكتا. هل في الصمت حقيقة نسبية ام حقيقة مطلقة؟ وهل يحررنا الصمت ام يزيد من فواجعنا ومآسينا؟ والى متى نظل نصمت هربا او نشدانا او نسيانا ولا نجرؤ على عبور تلك القنطرة التي تأخذنا الى الفعل؟”.

تأملت في ما قال واطرقت ثم حاولت الاجابة، ورأيتني اكتب كلمة وقعت في ظني. اذا كان الصمت يعني العجز والتواري والاحتجاج السلبي الشخصي فهو يعني في المستوى المقابل المعاناة والمعايشة والتأمل والمراجعة والنقد الذاتي والخوض في الاسباب التي جعلتنا نلجأ الى الصمت.

اميل حبيبي

 

اما اذا قصدت الصمت في الادب فقد ذكرتني بما قاله الروائي الفلسطيني الراحل اميل حبيبي في المؤتمر الاول للادب الفلسطيني: “في الادب لا يوجد تكتيك. فاما ان تقول الصدق او تصمت”.

الشاعر نزار قباني اعتبر ان الصمت في حرم الجمال جمال. المسرحي الراحل سعدالله ونوس رأى ان الكاتب حين يفقد ايمانه الشخصي بانه قادر على التغيير يفقد الدافع الى الكتابة ويلجأ الى الصمت والغياب والتواري.

نزار قباني

 

الشاعر الراحل خليل حاوي عانى كثيرا وطويلا في ايامه الاخيرة مما سماه”غصّة الافصاح”.

قد يكون الصمت قرفا من اوضاع لا يستطيع المرة قبولها، وعلى غرار ما كتبه الاديب الراحل فؤاد كنعان في كتابه “اولا وآخرا وبين بين”: “قرفت من ان اكون لبنانيا، قرفت، اريد ان ابعد، اريد ان انفي قلبي الى بلاد قصية اروحن فيها قلبي. لا حياة لي في بلادي ما لم ابع واشتر واسمسر واهرّب واعكرت وازوج امراء”.

خليل حاوي

 

في كل صمت هناك جانب شخصي قد نفهمه، وقد لا نفهمه وثمة ايضا جانب موضوعي، واذا التقيا وحفرا في النفس كان الصمت ثقيلا وموجعا وطويلا وتشفيا من خلل الوجود. مسافة بين ما هو كائن وما سيكون.

لكن السؤال يبقى: كيف نستنبط الوسائل التي تجعلنا نواصل كل هذا الشقاء؟ كيف نواصل العمل والانتاج باقل ما يمكن من التنازلات؟ كيف نبدد الاسباب التي قادتنا الى الصمت قهرا او غفلة او حيلة او عجزا؟

فؤاد كنعان

 

كل الحوادث التي تمر علينا تجعلنا نضعف امام الكلمة، ازاء الموقف، حيال الفعل. وهذا الامر لا يستوي ان ينجو من خلله اذا لم نستعد انسانيتنا اولا وقدرتنا على الاحلام ثانيا واصرارنا على التواصل وبناء الامل ثالثا، ومثابرتنا على الحب باعتباره خلاصنا ها هنا والان ودائما.

ما نحتاج اليه في حالتنا ليس فقط الوعي البازغ من العقل و فتوحاته. ما نحتاج اليه هو الحقيقة، حيوية الحياة، حركة الصراع، فحيوية الحياة وحدها القادرة على قهر الزمان ورد غوائله حتى آخر ساعة، حتى آخر لحظة، حتى آخر رمق. 

سعد الله ونوس

      

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *