الأشياء الصغيرة

Views: 768

د. جان توما

 

من باريس، المدينة الغارقة في سحرها،  تستعيد السيدة أميمة فؤاد عزيز ، بريشة حنينها سِحْرَ الميناء البحريّ.

تلتفت بريشتها إلى الشبابيك” المنسية ع الحيطان”. تقصقص مع قنديل البلدية الوحيد ” الورق تساويهم ناس”. أولئك الذين كانت وجوههم تطلّ من هذه المشربيات خجلى في زمن العفوية، في بدايات العمر العتيق.

تذكرَتْ ” أميمة” ” البسكلة في الأسكلة”، وهي جملة تعني “الدراجة الهوائية في الميناء التي كان اسمها قبل عام ١٩٧٩ الأسكلة”، أي escale من الايطاليّة والتركيّة، وتعني السقالات الممتدة على الشاطىء لإفراغ بضائع السفن.

هذه ” البسكلة” كرج عليها  أخوها المهندس ” جوني” في مسالك الميناء العتيقة. لم يك يدري أنّه كلّما برم دولاب دراجته برمت معه أيامه لتضيع في لحظة، ويغادر في صمت الراحلين، فيما بعض إخوته غادر إلى قارات العالم.

فرغ البيت العائليّ، ويبست ياسمينة الدار، وتحوّلت الريشة، في الغربة، إلى حكواتي الليالي المضجرة.، فها هو بائع حبّات البلح، على عربته، أمام مصطبات البيوت، فيما النساء لا يقصّرن في اختيار الطازج منها.

سيرسم الجيل الأوّل من المهاجرين صور طفولته على الورق في الغربة. سيكرج افتراضيّا في أزقة الوجوه الأليفة، والأسماء والكنيات والألقاب، فيما لن يذكر الجيل الثاني إلا أنّ الأجداد أو الآباء أتوا من تلك البلاد التي تنام على همّ وتفيق على آخر.

ستبقى الأشياء الصغيرة مشحونة بالشّوق إلى تلك الساحات، وسيبقى الحنين عيون الماء فيها، يعبّ منها المشتاق، إلى المكان الأوّل، الماء الوافر ولكنه يبقى على … ظمأ.

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *