الهبوط

Views: 271

خليل الخوري 

 

لم يعد الهبوط وقفاً على الإقتصاد والمال وسائر معالم الحياة، بل شمل كلّ شيء في هذا البلد الصغير المعذّب. في أيّ حال تلك هي سمة الزمن الرديء ليس في لبنان وحسب، بل أيضاً في مختلف أنحاء العالم. فباستثناء قلّة من القادة الكبار، لا يتجاوز عددهم إثنين أو ثلاثة في الزوايا الأربع من المعمورة، تبدو «القماشة» هشّة تلازماً مع عنوان الرداءة العريض الذي يختصر هذه الأيام.

إلا أنّ ما يعنينا في لبنان أنّ أزمة الإنهيار عندنا تتزامن مع شظف العيش وضيق ذات اليد ما بلغ بالناس حدود الكفر.

ولعلّ أكثر ما يؤلم ما نسمع ونقرأ في لغة التخاطب بين الأضداد التي بلَغت درجة من السفاهة، وحتى العهر، غير مسبوقة. ومن أسفٍ كبير أن تنموَ أجيالنا الجديدة على الأحقاد والضغائن والكراهية.

إنّ من يتابع الكلام، ثمّ الردود، ومن ثمّ الردود على الردود يُفجعهُ ما فيها من شتائم وقبح، وألفاظ ساقِطة جداً، حتى لَيفرِضَ السؤالُ ذاتَه: أهذا هو الجيل الذي سيتولّى شؤون أبنائنا وأحفادِنا ووطننا في المستقبل؟!.

لقد سقطت المبادئ وتهاوت القيم إلى ما تحت درجاتها الدنيا. وبات الشاب والشابة لا يخجلان من إستخدام ألفاظ شارعية ساقطة جداً، كما باتَ الإعتزاز بالشتائم الفاسِدة قاسماً مشتركاً بين الكثيرين إلى حدّ القرف، وطبعاً إلى حدّ الخزي والعار!

قد يقول لنا قائلٌ إعتراضاً على ما تقدّم: «أنتم جيل قديم». على اعتبار أنّ هذه مذمّةٌ ومأخذٌ علينا. فإذا كان التعبير الكلامي اللطيف، والتزام الإنتقاد المهذّب ومبادئ الأخلاق ومكارِمَها مذمّة، فليكن.

نعود إلى هذا الزمن الرديء الذي هبَط فيه كلّ شيء، فنسأل على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً- في القيادة: أين دي غول وأيزناور ونهرو والملك فيصل آل سعود وجمال عبد الناصر وجون كينيدي وميتران…؟

ثانياً- على صعيدنا في لبنان: أين بشارة الخوري ورياض الصلح وكميل شمعون وكمال جنبلاط وبيار الجميل ورشيد كرامي وحميد فرنجية وكامل الأسعد وريمون إدّه ومجيد أرسلان وصائب سلام ورينيه معوّض وصبري حماده ونصري المعلوف…؟

ثالثاً- على الصعيد الفني: أين الأخوان رحباني وسيّد درويش ومحمّد عبد الوهاب ووديع الصافي وأم كلثوم ونور الهدى ووردة وصباح وفريد الأطرش وأسمهان وعبد الحليم حافظ وحليم الرومي وزكي ناصيف ونصري شمس الدين…؟ (أمدّ الله في عمر الأيقونة فيروز).

رابعاً- ويصحّ الكلام في الفلسفة والأدب شعراً ونثراً، وفي سائر نواحي الحياة التي من أسف طغت عليها السطحية والسفسطة والبلاهة والسخافة والتفاهة.

إنه زمن الهبوط، ولكن إلى متى تعميم الجهل والفقر.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *