بلد الحلول المستحيلة
خليل الخوري
أصبح لبنان ضد الطبيعة، وضد المنطق… وبالتالي بات يصح فيه القول: هذا بلد ناشز.
سُنّةُ الطبيعة وقوانينها السير إلى الأمام، ولبنان يتراجع إلى الخلف!
منطق الطبيعة، بل المنطق في أصوله وقوانينه أنّ لكل معضلةٍ حلّاً… وفي لبنان غابت الحلول، ليس من اليوم، إنما من سنوات طويلة!
فالمسائل لها حلولها، أما في لبنان فلها تعقيداتها. وليس من باب المصادفة في شيء أن كل موضوعٍ لبناني يتحوّل إلى مسألة، وكل مسألة تتحول إلى معضلة، وكل معضلة تتحول إلى قضية، وكل قضية تتحول إلى أزمة، وكل أزمة تتحول إلى مأزق، وكل مأزق «يكربج» البلد ويقضي على الطموح ويئد الأمل ويعود بنا إلى الوراء…
منطق الطبيعة في شؤون الحكم الديموقراطي، بل ألف باء الأنظمة الديموقراطية، التي كنا من أسيادها، منذ ما قبل الاستقلال، أن التركيبة في النظام تتكئ على ركيزتين الموالاة والمعارضة… ونحن ليس لدينا معارضة، وأيضاًَ ليس عندنا موالاة. فقط لدينا داعمون (… وبالقطعة) ومشاغبون لأنهم لم ينالوا حظوةً. والداعمون، أنفسهم، يوالون حيناً، ويعارضون حيناً آخر، وفقاً لتحقيق المكاسب أو لعدم الحصول عليها.
ومنطق الحكم والمسؤولية أن يكون النواب والوزراء والأسلاك العسكرية والأمنية في خدمة الشعب. أما واقع الحال عندنا فهو أنهم يركبون على ظهر الناس، ويُدلّون أرجلهم، وفي كل منها مهماز «يؤدّبون» به الرعية، وأحياناً بقسوة شديدة.
والموالاة والمعارضة ليستا ابتكاراً من عنديّاتنا، ولكنّ الآباء المؤسسين أُعجبوا بهما واعتمدوهما (وأحياناً مع «الوسط») منذ بواكير قيام هذه الدولة، فكان عندنا الكتلة الدستورية توالي الرئيس بشارة الخوري، والكتلة الوطنية برئاسة اميل اده وتعارض الخوري. وكان عندنا النهج يوالي فؤاد شهاب والحلف الثلاثي يعارضه بقوّة. وكانت الأكثرية الموالية والأقلية المعارضة. وكان عندنا تكتل الوسط من سليمان فرنجية وكامل الأسعد وصائب سلام وحبيب كيروز وسواهم (…).
أما اليوم فـ»الطاسة ضايعة»، والبوصلة مفقودة، وكل يغني على ليلاه…
ومنطق الحكم وأصوله أن تؤلّف الحكومات لتجتمع وتدرس ثم تقرر، ومن ثَمِّ تنفّذ… أما عندنا فالحكومات لا تُشكّل إلا بشق النفس، ولكنها لا تنتج لأن تعطيلها في أيدي كثيرين من داخل وخارج…
وبعد، هل نستغرب أن يصبح لبنان، منذ سنوات وحتى اليوم، بلد الأزمات الدائمة والحلول المستحيلة؟!.
