الحجّ إلى مُونيخ (18) عُمرة في سُجون ماقبل الفيريس

Views: 35

محمّد خريّف*

 

من سُجون المُفارقات

جنّتنا سجن ندخله قسرا فنملّه ونخرج منه قسرا ولا اختيار لنافي الدخول والخروج ،كل يتم بإذن من ساقنا إلى الجنّة بالسلاسل ،ولا حول ولا قوّة لنا في اختيار الجحيم ونزواته ،فالحاكم في رقابنا يتدّبر أمرنا في الدنيا كما يقرر الله مصيرنا في والآخرة ،والجّنّة سجن لا يتحمّله من يغريه إبليس فيأمره ولا ينهيه فننعم بلذات لتا انصرمت ونحن في جنة جهنّم ونعم المصير، و جنة بلا جهنّم عندي في العاجلة مأساة بل ملهاة أو لا تكون ، وفردوس الأرض من جحيم الأرض وجنته ، والإنسان صانع جنة جحيمه وجحيمه من جنته ولا جنة لنا في سجن لا يختلط فيه الحابل بالنابل و نحن نمشي في الأسواق ولا من وازع ولا من واق ، ويا لللهول من جنة لا نذوق حلوها ومرّها وجنّتنا في “الكورنتينه” كان لها أن تكون جنة أرض لا جنة سماء، هي لو كانت جنة أرض بلا سجن لما حرمنا من خيرها وشرها و البشرنعمة شرّ، ولا نعيم لخير ودون شرّ ولا صفاء  بلا كدر ولا جنة دون جحيم  و شقتنا جنة سجن نعيمه شقاء فردوس ولا لعنة للعين دون حمد وثناء، ومرتع العزلة تؤنسه الألفة يهيج فينا ذكرى شهر عسل وعلقم ملل  والعهد هلمّ لنجدّده للقدم، ومن شرفتها هذه نطل على ضفاف خليج رَغْوُه يصدم الرمل وينثره ،وومرأى الأفق قد راق، قريب من العين بعيد عن اليد، و العين يغريها  تحليق أسراب طير تحوم من على بساط الماء إلى على أوراق شجر،وعين الفكر تنثال مع ألوان”الوجود والزمان” يسيل منها حبر “هيدغر”يجف على الورق، تخلخل فيّ كلماته الصارم من ميّت الحجّ والمجّ، ولا حجّ لي ونحن على سفر،والأدب أدب رحلة لا  صدق له ولا كذب؟

 

من توابع الحج وزوابعه

بعد انقضاء فترة الإقامة الجبرية في السجن الجميل سجن الكورنتينة في الحمامات ويا ليتني كنت في جهنم الحياة حرا طليقا وينقذني الحنين إلى مسرح الطفولة وبداية الشباب حيت الجري وراء الجميلات والتنقل كالنحلة من زهرة إلى زهرة و هاأنا الآن في شهر العسل قد يتساوى في الوزن مع البصل،واليوم 4ماي 2020  هانحن منذ الصباح نستعد للعودة  إلى سجن نسميه قيد الحياة خرجنا منه بعد ما يقرب من شهرين طمعا في الخلاص من سجن دار الحق ومن علامات سجونه القول بأنني من طينة الأشراف وهم من فئة  رأس مالها القيل والقال   ولست في نظر سكان القرية سوى واحد منهم  جدير في هذه السن بالذات بحجّة إلى بيت الله الحرام أو حتى بعمرة وتلك أمنية المؤمن ولو كان من أبناء السبيل يرتجي من الله أن يبلغه  ما في ضميره ويطعم  لسانه من ثمار الجنة بحجة .

لكن  لاذنب لي إن  خاب أمل بني أمي فيّ فحججت إلى بيت الله الحلال في مونيخ ولما آتهم بعفس أو بخور أو لوبان،ولا حتى شربة من ماءزمز م للبركة لا الحركة ، ولا جمل ولا قراد يئن، في منزل حر حيث في علاقة المضاف بالمضاف إليه، والحر عبد من عباد الله يستقبلني البعض منهم يوم العودة من سجن الجنة متعاطفين شاكرين الله على السلامة والنجاة لكن أية سلامة ونجاة فانا كنت في مونيخ مدينة السلام والنجاة والسير في الصراط المستقيم ولا هداية ننتظرها من دعاء أهالي القرية ولعل الله  يدفع  عنهم ما كان أعظم يقولها جاري خائفا علي خوف الشماتة حسب ما افهم من ابتسامته واشعر وكأني ارتكبت جرما لايغتفر أو أني نجوت من بلاد العدوى بأعجوبة ،وأن الله حماهم دون غيرهم من العدوى لالشيء إلا لأنهم أولاد “سي حسين العويّب”  وان كنت في داخلي أعتقد أني سعيد  بهذا الحج المختلف إلى مونيخ به قد تحررّ أناي مني وان كانت القرية تشبه “القرع” يكبر في جدره، وهي التي تعتقد  أن سلامتها من الإصابة بعدوى الكوفيد 19 ربانية وأن  الوباء الذي سلمت القريةالمؤمنة بالله من عدواه عقاب من الله يبتلي به الكفرة في بلاد الفرنجة دون غيرهم  لذلك هم لايعترفون و لا يحذرونه لا بكمامة ولا سائل تعقيم ولا تباعد جسديّا يحرصون عليه، فللمرء مثلي في هذه الحالة أن يسخرمن نفسه أويضحك مما تعود عليه في مونيخ وسمعه  عن الحجر الصحي وما يتطلبه من إجراءات طيلة اقامته هناك، لكنه يرتاح على الاقل  لماخلفته هذه الرحلة في نفسه  من الإحساس بصفاء التطهر من أدران ما قبل الرحلة التي لا علاقة بحج أو عمرة، إذ هي فقط ثمرة من ثمار السفر يشبه الكتابة، كتابة ماتراه العين لاكتابة ما تسمعه الأذن وتتمثله بالرّواية.

 

فانا بعد الرّحلة أصبحت غير مبال  إن كنت أتمي  إلى أرض محرّرة شريفة ،مقدسة يحميها وهما الأولياء الصالحون من خطر فيرس الكورونا كما حمى بلدتي وليّنا الصّالح من خطر مدفع الألمان يبلع جنوده السكين بدمها ولا يأكل بعضهم ليلة الهزيمة من عشاء عم “الطّيّب” يرويها عنه ابنه يلتحق به دون أن يتحقق لقاؤناالموعود ،ولاشيء يطلب مني غير جلسة صفاء حرمنا منه سجن الكدر.ويظل طيف  القرية الحرّة السّجينة يراودني في مراحل الرّحلة،فظلت هي كما- ولا شيء يبقى على حاله-  والقرية مني واليها لها نُكهة خاصة لايدركها إلا من فارقها و أدرك من خلال الحجّ إلى مُونيخ ألاّ مفاضلة بينها وبين مكان آخر إلا بمشاعر الألفة و الحنين ولا فضل  لمكان على مكان أو زمان على زمان ولا بين  كائن وكائن وعلامة وعلامة إلاّ بما يقرّره الكائن الانسان بقدرته على صناعة العلامة وصياغاتها وتوظيفها في الوصف والتوصيف والتمايز والتمييز، ومن علوم هذه الصناعة علوم الخبر(علوم الرواية) ومصباتها علوم اللسان فعلوم السيمياء وهكذا دواليك…

ولا فائدة في تقديس علامة دون أخرى :  فلكل العلامات الحقفي الوجود بما فيها علامات الصدق والكذب والإنسان كاذب أو لايكون فما هو الا علامة وجود طبيعيّ تصنع دوالها الاعتباطية والبيو سيميائية ،والإنسان في مونيخ كرّمته “المدينة” جسدا وروحا لينظر إليه باعتباره مواطنا لاغير ولاينظر إليه باعتباره “حاجّا” أو “قديسا” لذا يخيب أملي حين أسمع من أهل القرية من يقول بعد هذاهذا التطهّر الفكريّ الحاصل في جرابي الذهنيّة بفضل هذه الرحلة الثقافية المنعشة من يقول:” إن شاء الله في حجّة ” ؟؟

***

(*) كاتب من تونس  مونيخ/تونس –مارس-افريل2020

 

(Ultram)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *