الإحساس المفرط… نعمة أم نقمة؟!

Views: 849

أنطوان يزبك

 

“إن اصحاب الإحساس المفرط يعطون أهمية كبيرة للتفاصيل التافهة في تصرفات الآخرين، تلك التفاصيل التي لا ينتبه إليها عادة الأشخاص الطبيعيون” (سيغموند فرويد).

 

 

سيغموند فرويد

 

منذ بدأ الاهتمام بالإحساس المفرط في المشاعر، وتطوّر هذا المفهوم الذي أفضى إلى ظهور الرومنسية؛ وعقدة الأحاسيس تبحث عن حلّ لها ويدرس علم النفس تصوّرات قد تبدو أحيانًا غريبة، حول سلوك الإنسان العاطفي وكيفية تعامله مع معرفة ذاته والآخر. 

ها هو جان جاك روسو ينقل إلينا في معظم كتاباته: “الاعترافات”، “إميل”، “أحلام المتجوّل الوحيد” أبهى المعاني التي قد يشعر بها الإنسان الحساس والمفرط في إحساسه، خاصة في جملته الشهيرة: “أرى كل شيء، ولكنني لا أفهم أي مقصد!”

وبذلك غلّب روسو المشاعر على العقل وعلى التحليل المنطقي! ولكن من ناحية أخرى شدّد روسو على أهمية الإحساس في تكوين الإنسان وتحديد إدراكه للوجود ولذاته في آن معًا. 

 

جان جاك روسو

 

إن أكثر الكاتبات تناولت مسألة العاطفة والأحاسيس ولكن أعظمهن هي الكاتبة الإنكليزية جاين أوستن (1775-1817) صاحبة روايات مثل: “كبرياء وتحامل”، “العقل والعاطفة”، “إيما”Emma، وفيها دراسة سيكولوجية معمّقة للمشاعر الإنسانية وللعواطف والأحاسيس الأكثر حدّة وتأثيرًا على النفس البشرية وعلى سلوك البشر خاصة في تلك العلاقات التي تنشأ بين الذكور والإناث والتي ظاهرها العقلانية واحترام التقاليد البريطانية المتزمّتة، بيد أن باطنها براكين متفجّرة من الحمم والعاطفة الجياشة. إزاء كل ذلك تقول جاين أوستن: “سأكون هادئة، سأكون سيّدة نفسي”. كما لو أنها تتخذ الموقف الأخير تجاه الانفعالات العاطفية التي قد تصيب أيًا كان، له من المشاعر الغرامية التي من الممكن أن تفقده صوابه. 

من وجهة نظر أخرى يقول فرنسوا دو لاروشفوكو: “الخير والشر، اللذان من الممكن أن يصيباننا، لا يؤثران فينا بقدر قوتهما، إلا من خلال درجة إحساسنا: ومعنى ذلك أن الإنسان، وبحسب درجة إحساسه ومعطياته العاطفية، يتعامل مع الحياة وما تفرزه من حلاوة ومرارة. يذكرنا هذا القول ببيت المتنبي: 

وتعظم في عين الصغير صغارها/ وتصغر في عين العظيم العظائم

الإحساس هو إذن أمر شخصي بحت، ولا أحد كالشعراء ينجح في وصفه وتقريبه في إفهام الناس. 

فرنسوا دو لاروشفوكو

 

ها هو اللورد بايرون يقول حين زار إيطاليا جملة شهيرة، قالها من فرط شاعريته وإحساسه: “إنني لا اعيش في ذاتي، ولكنني أصبحت قطعة من كل ما يحيط بي، حتى ان الجبال العالية تبدو في نظري كأنها عاطفة”. 

لم تعد الأسباب مهمة في حمأة التعبير عن الإحساس، هنالك شعلة مقدّسة مستعرة في داخل الإنسان، وما من علم يستطيع أن يدخل عمق الأحاسيس، فالعلم المادي الذي يفسّر كل شيء فيه علاقة بالعاطفة من خلال المادة، يسقط في فخ المبالغة والسهولة. أمّا الإفراط بالروحانيات والماورائيات يدخلنا في حلقة الألغاز والمستحيلات والعجز عن الفهم؛ لأن إلقاء الحقائق في منطقة الشفق القطبي، هي هزيمة بحد ذاتها للعقل والمشاعر على حدّ سواء. 

في قصيدة رياض المعلوف “ظل الحبيب”، التي تتألف من أبيات قليلة، نقع على ملخص وجداني عذب لكل ما يمكن أن تشتمل عليه العاطفة من إحساس وحب وشغف لا يستطيع الإنسان أن يصرف وجهه عن هذه الطاقة الدفاقة بالحب والذوبان في الآخر هذا الآخر الذي يسكن أحلامنا: 

تسير فاتبع ظلّك/ وقلبي في الحب لك…/ شكوت الليل لعلّك/ ترحم قلبي لعلّك/ خلقت ابياتًا ولكن/ تحملت في الحب ذلك!/ فانت ضيائي لذلك/ جعلت بعيني محلّك…/ عشقت كثيرًا وإني/ تناسيت حبي قبلك/ عرفت الجمال وأهل/ الجمال فلم ألقَ مثلك…/ وحيث ذهبت وراءك/ ظلّي… يعانق ظلّك!!  

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *