كلامٌ في الموت مرسوم بريشة الحياة

Views: 287

حسين قبيسي*

 

مات داوود وتركَ مَكانه في شارع الحمرا شاغراً لا يملأه أحد. هذا “الدومريّ” الذي كان يملأ سهراتنا صخباً وحيويّة.

كنّا، في مرحلة الصبا والشباب، نسمع من حولنا أخباراً عن الموت ووفاة أناس مَشاهير وآخرين بُسطاء عاديّين، وكان معنى ذلك عندنا أنّ الموت يحْدُث بعيداً عنّا، في أماكن أخرى، غير المكان الذي نحن فيه، وأنّ كلّ ما في الأمر هو أنّ المسألة تنقضي بـ “الله يرحمو”.. ومع أنّني كنتُ أسمع والدي يقول في أحاديثه مع أصحابه حول أمور لا أعطي لها بالاً: “هُم السابقون ونحن اللّاحقون”، فأفهم معناها ولا أوليه أيّة أهميّة، وكنتُ أرى في قول بعضهم “إنّا لله وإنّا إليه راجعون”.. عبارة مُجامَلة أو شيئاً من هذا القبيل.

كنّا شباباً مكانُنا قلبُ الحياة ولم يكُن للموت وقْعٌ علينا، ولا هو كان يصيب أحداً بيننا، وإنْ أصاب أحداً منّا فذاك كان من غرائب الأمور، وشيئاً لا يُصدَّق، أو كارثة الكوارث.. وقد حصلَ لنا ذلك مرّةً عندما عرفنا بعدما تخرَّجنا من دار المُعلّمين، وكنّا جميعاً بين سنّ العشرين والاثنَين والعشرين، وتوزَّعنا على قرى وبلدات لبنان، للتعليم في المدارس الابتدائيّة، أنّ صديقنا وزميلنا الفيلسوف “اللّامُنتمي” عبد الله يزبك انتحر، وما خفَّفَ من صدمة الكارثة يومئذٍ علمُنا بأنّه انتحر لأسباب محض فلسفيّة تتلخّص عنده بـ “كينونة الكائن”. بعد ذلك، وكنّا لا نزال في عزّ الشباب، تكرَّرت الكارثة مع وفاة رفيقنا الأريحيّ محمود بيضون، فتلقّينا جميعاً خبر وفاته بصمود وكبرياء، وحسِبنا الموتَ عدوّاً فتوعَّدناه بانتقامٍ شديد من دون أن نستطيع إلى ذلك سبيلاً. في ذلك الوقت المُبكّر، توفّى من رفاقي في باريس هيلين ثابت، ولم أعرف بوفاتها إلّا بعد عودتي من سفرة قصيرة إلى لبنان فهالني الخبر، وحزنتُ حزناً شديداً وبصمت شديد أيضاً. ولمّا لم أكُن لأَعرف ماذا عليّ أن أفعل غير الحزن والصمت، أقلعتُ عنهما.

كان الموت بعيداً عنّا، يعملُ في الأطراف النائية عن مَوقعنا، بعيداً عن قلب الحياة حيث نحن. اليوم، تكاثَرَ الموتُ بيننا ومن حولنا. صار عندنا، يحصدنا الواحد تلو الآخر، بسرعة. فنحن وصلْنا إلى الأطراف التي كانت بعيدة، وبَعُدَ عنّا قلب الحياة. شغَلته، بدلاً منّا، أجيالٌ (بين سنّ العشرين والخمسين) جديدة طردَتنا، من دون أن تدري ماذا تفعل، ومن دون أن ندري نحن (في سنّ السبعين أو تجاوزناه) ما يحْدُث.

لم يكفّ الموت عن كونه عدوّاً إلّا مع وفاة عبد الأمير ثمّ نخلة فريفر؛ فلم يعُد الموت ذلك المجرم الأحمق بل صار شيئاً آخر، ليس صديقاً وليس غير صديق، لا أعرف بالضبط ما هو، إنّما فقط سقط جلبابه الأسود الرهيب، وسقطَتْ عنه قبّعة الانتقام اللّئيمة.

هُم ارتكبوا الموت

كنتُ أُخاصمُ الموتَ، وفعْل الموت، وعالَم الموت، وأتهيَّبُ لقاءَ رفاقي فيه. واليوم أتمنّى أن أكون فيه لأكون معهم، فالموت تجربة يراودني شغفٌ في خَوضها لألقاهم وأسألهم لماذا ماتوا؟ مات ليس فعلاً مُتعدّياً، بل هو فعل لازم، ولا خلاف في ذلك، إلّا إذا كان ثمّة سرٌّ يكتنف كون مات فعلاً لازماً، عنوةً عن سائر الأفعال اللّازمة: ماتوا فاعلُه ضميرٌ مُستتر تقديره هُم، رفاقي! هُم الفاعل، ليسوا نائب الفاعل ولا المفعول به، هُم ماتوا، هُم ارتكبوا الموت. في باريس مات خمسةٌ من خيرة أصحابي: جاري المُفكّر الهادئ جورج طرابيشي، ومِن بعده مات الصديق النزق العفيف الأخضر، وكأنّهما كانا مُتواعدَين لمُواصَلة الشجار الذي بدأه بينهما العفيف في بيروت قُبيل الحرب الأهليّة اللّبنانيّة، وتابَعه بلا هوادة في باريس حينما انضمّ إلى جمعيّة “العقلانيّين العرب” التي أسَّسها طرابيشي، وكَتَبَ في مجلّتها الإلكترونيّة “أوان”.

وقبلهما توفّى الفنّان فريد العريبي صاحب المُنمنمات البديعة التي لم تنَل ما تستحقّه من الشهرة، لأنّه لم يكُن يحفل بالعرض والاستعراض؛ ثمّ توفّى علي بن عاشور الذي لا أجد وَصفاً يُلخِّص سيرة حياته سوى “المُفكِّر الشريد” المُتفلّت من كلّ رابط يشدّه إلى أيّ وتدٍ في هذا العالَم؛ ثمّ توفّى صديقي الكبير رشيد صبّاغي، أصغر أصدقائي سنّاً، ولا أُبالِغ في وصف حياته الفكريّة إنْ قلتُ إنّه كان فيلسوفاً سياسيّاً عظيماً، اختاره “محمود حسين” (بهجت النادي وعادل رفعت) ليكون مُستشارُهما في رئاسة تحرير مجلّة “بريد اليونيسكو” Le Courrier de l’Unesco التي تصدر في باريس، وكلّ ما قيل عن سبب سقوطه تحت عجلات القطار، من أنّ رجله انزلقت به وهو ينتظر على رصيف المترو، أو غير ذلك من التلفيقات هو هراء، وإنّ مؤامرةً لقتله كانت مدبّرة بقيت طَي الكتمان، ولم تُفلِح جهود أحدٍ من رفاقه ومَعارفه في كشفها، تماماً كما لم يفلح أحدٌ في كشْفِ مصير صديقنا سهيل الخطيب الذي اختفت أخباره ولم يُعرَف مصيره منذ أن اختطفته مجموعة أشخاص من أمام المدينة الجامعيّة في باريس وهو يعْبُر بولفار جوردان في اتّجاه حديقة “بارك مونسوري”. ثم توفّى صديقي الصحافي بيار لووير (Lauer) الذي عرَّفني قبيل وفاته بوالده فيليب لووير، عالِم الأركيولوجيا الذي قضى خمسين عاماً من حياته في دراسة أسرار الأهرام، وصاحب المؤلَّف القيّم “أسرارهَرَم صقّارة” (Les mystères de Saqqara) .

هؤلاء الأصدقاء، وهُم الأكثر قرباً إلى قلبي والأكثر صدقاً ومودّة، لوفاةِ كلٍّ منهم سيرةٌ تَبعث على الحزن والغضب معاً؛ فرفاقي رجالٌ عظام، كلّ واحد منهم طوى عظمته في قلبه ومضى. ومع وفاة كلٍّ منهم كنتُ أَفقد جزءاً منّي، فأتحسَّسُ نفسي باحِثاً عمّا فقدتُ، فلا أدري ما هو، ولعلّها هي أنفاسي، يختطفها منّي الموت، نفَساً بعد نفَس، كلّما خطفَ رفيقاً من رفاقي. مع وفاة عبد الأمير تأكَّدتُ أنّي فقدتُ شيئاً لا من روحي فحسب، بل من جسدي أيضاً، فقد شاهدتُ جزءاً من كتفي مهدوداً. وفاته التي دشَّنت قافلةَ الموت بيننا كانت أوّل مِسمارٍ يُدقُّ في نعشي. تلتْ وفاتَه سلسلةُ وفَيّات طاولت الصديق العذب نخلة فريفر، ثمّ والدتي ثمّ والد زوجتي، وعلمتُ بوفاتهما، وأنا في باريس، ثمّ بعد ذلك بفترة قصيرة علمتُ بالهاتف أيضاً أنّ والدي توفّى، ولم أتمكّن من السفر إلى لبنان لحضور جنازة أحد منهم.

كان خبرُ رحيل يوسف حنّا فاجعةً حقيقيّة أخبرني بها صديقنا المشترَك أحمد فرحات. لم يعُد باستطاعتنا، (نحن “شلّة” الأصدقاء القدامى بمَن فينا صهره الصديق فؤاد شاهين والصديق القديم هو الآخر كامل فاعور)، تكرار تلك الجلسات الأنيسة في منزله في جزّين المُحاط بأربعمائة شجرة صنوبر (وليس بـ “أربع صنوبرات” فقط كمنزل نزار قبّاني) على كتف رابيةٍ شاهقة مُجاوِرة لدَير مشموشة ذي العبق التاريخي والذكريات المُعتَّقة المُتَّصلة أيضاً، وخصوصاً بشقيق الروح أخي حسن. وتلت تلك الفاجعة فاجعةٌ أخرى، وفاة محمّد شمس الدّين الذي كانت رسومه ولَوحاته التشكيليّة شموساً مُضيئة بزهوها وفرحها، وما زلتُ أحتفظُ باثنتَيْن منها مُعلَّقَتَيْن على جدران منزلي في زبدين، تماماً كصور رفاقي المُتوفّين المُعلّقة على جدران ذاكرتي، أحملهم في بالي وفي حالي أحياءً جميعاً، كأقلّ ما يُمكن لي أن أفعله، كي لا يُغادر أيٌّ منهم فكري وكَياني، وعندي لائحتان في ذهني تحملان أسماءَهم: لائحة قصيرة بأقربائي، وأخرى طويلة بأصدقائي ورفاقي لا تني تطول وتطول. اقتصرَت لائحة الأقرباء على والدَيّ ووالدَيْ زوجتي؛ ولائحة الأصدقاء طالت ولا تني تطول وتطول. كانت وفاة أيّ صديق تُحدث ارتجاجاً في كياني؛ إلّا وفاة أخي حسن، حسن قبيسي، أخي وأبي ومُعلّمي ومُرشدي وصديقي، زلزلت بي الكونَ برمّته ولم أعُد أرى شيئاً كما كنتُ أراه من قبل. وفاة حسن إسفين دُقَّ في نعشي فنفذَ من النعش ليُغرَز في قلبي النازف إلى الآن. في كلّ لحظة تلت غيابه، أنا في أشدّ الحاجة إلى إرشاده وتعليمه، وسط هذه المتاهة التي انقلب فيها كلّ شيء إلى نقيض ما عمل حسن، “المُفكِّر المُشاغِب” (كما جاء في مقالة رثاه فيها صديقه تركي علي الربيعو الذي توفّى بعده بستّة أشهر) طوال حياته لتحقيقه؛ وحسبي تعبيراً عن ذلك ذِكرُ مقطع من قصيدة للصديق قادر بوبكري رثى فيها صديقه حسن قبيسي الذي لم يرَه قطّ، ولم يَلتقه مرّةً في حياته (!) وهي بعنوان “التوحُّش المُقدَّس”:

“كِدْتُ أبْكي على ظِلِّ نَعْشِكَ/ وَمِن أيْنَ لي الخلاصُ بالدمّ وَحْدَهُ/ ولو أنَّهُ دمُ القَلْبْ/ وها إنَّ الجسورَ بِنَا تَنْقَطِعْ/ قَبْلَ ما هذا الضوءُ الأسودُ لا ينقشعْ/ في ذاكَ الشَّهرِ، شهر تمّوز/ شَهْرِ تَمُوووو…جُ الأرضُ/ في العام السادس للأَلْفِ الثالثةِ/ حَزَمْتَ حِقْبَتَكَ/ حَمَلْتَ مَا في الكُتُبِ/ على حِينِ فجأةٍ/ يَتَجلَّى المُتوحِّدُ عن مكانِهِ/ يَتَأثَّرُ المَجْهولَ من عِرفانِهِ/ كأنَّمَا أرْضاكَ وَقْتُ الشُّهَدَاءْ/ لِتَسْتَقِلَّ قِطارَ الذَّهَابْ/ شَاهَدْتَ مَتاجِرَ الحربِ/ تَعرِضُ أزياءَ السلامْ/ رأيتَ قَوَافِلَ الراحلينَ إلى الغيابْ/ إِذْ ذَاكَ نِمْتَ غَضَضْتَ النَّظَرْ/ عَنْ عَالَمٍ ما أجْمَلَهُ لو ما فيه بَـ…..شَرّْ”.

كنتُ في بيروت حين علمتُ بوفاة عصام محفوظ، ثمّ وفاة ربيع القلب الرائع عادل فاخوري، ثمّ وفاة الصديق الحبيب موسى وهبي، ثمّ وفاة عصام العبد الله، الذي كان مجلسه (في مقهى “كافي دو باري” ثمّ بعد إغلاق هذا المقهى في مقهى “الروضة”) أشبه بمجلس مُحدِّث ظريف تأنَس إليه جماعةُ رفاقٍ وأصدقاء تتّسع باستمرار. إلّا أنّ وفاة الشاعر المُتفرِّد محمّد العبد الله الذي لا يُشبهه شاعر، والذي حضرتُ جنازته في الخيام، إسفينٌ آخر دُقّ في نعشي، والألم الذي يُحدِثه فيَ لا يُلاحظه أحد، مع إني أحمله معي دائماً، من دون أن أُبديه.

وكنتُ في بروكسل، حين أخبرني هشام الجردي من ألمانيا، ومنذ شهر تقريباً، بالهاتف، أنّ داوود الرزّ توفّى منذ شهرَين، هذا “الدومريّ” الذي كان لا يحفل بدويّ القنابل وأزيز الرصاص، ولا يتسكّع أحدٌ سواه في شارع الحمرا أثناء الحرب الأهليّة إلّا عبد الأمير الذي أخبرنا ذات مرّة أنّه خرجَ ليلة قصفٍ مجنون إلى شارع الحمرا ليشتري سجاير فوجَدَ الشارعَ خالياً تماماً: “إلّا من دومري واحد… داوود الرزّ”.. طوال سنوات لازَمَ داوود لقب “النبي داوود” الذي خلعه عليه عبد الأمير منذ زمن يعود إلى بداية السبعينيّات حين كانت تجمعنا سهرات يكفي لوصفها عنوان قصيدة نزار قبّاني “خبز وحشيش وقمر”، فتطول حتّى الصباح ملأى بالنكات والغناء والمُناقشات الصاخبة أحياناً، وأحياناً بحكايات بعضها واقعي وبعضها لا يُتقِن نَسْجُه من عالَم الخيال المَحض إلّا داوود، أو بترداد شعر (لمظفر النوّاب مثلاً، كما في مقطعٍ شعري يُحاوِر فيه نفسَه: “ـــ أين تركتَ نداماكَ حبيبي؟/ ـــ عبروا جسر السكر وماتوا الواحد بعد الآخر”.. أو “سنصبح نحن يهود التاريخ/ ونعوي في الصحراء بلا مأوى..”، أو “كلّ ما في الكون مقدار وأيّام له إلّا الهوى/ لا يَومه يَومٌ ولا مقداره مقدار”..) أو نغنّي مع الشيخ إمام مَقطعاً من شعر أحمد فؤاد نجم “الطبل غير الشعر يا واد ما تهبّلشِ/ وأيّ شخص يكون شاعر ما يطبّلشِ/ يا تقول كلامك من جوّاك يا ماتقولشِ/ ملعون أبوك طالع نازل شاعر أجرة/ هلّا هلّاه يا بدوي شاعر أجرة”…

لم أتفاجأ كثيراً بخبر وفاة صديقي داوود، فقَبل سنتَيْن، وأنا في بيروت، كان محمود العلي قد أخبرني، بالهاتف أيضاً، أنّ داوود مريض جدّاً وأنّه عاتِبٌ عليّ لأنّي لا آتي لزيارته في الغازيّة. وبعد انتهاء حديثي مع هشام، عبَر في ذهني شريط رفاقي الذين توفّوا قبل داوود: توفّى صلاح عبد الله الذي أخبرني بوفاته بالهاتف كامل عيّاش وذلك قبل حوالى سنة تقريباً وكنتُ أَعلم أنّ صلاح كان في مستشفى جبل لبنان وأنّ السرطان عاد إليه بعدما خرج قبل أربع سنوات تقريباً مُنتصِراً من جولة صراع معه، وكنّا بعد انتصاره، نلقاه في مقهى “بيروت مول” مُفعَماً حيويّة وحبوراً. بعد خبر وفاة صلاح أخبرني مُصطفى البسّام بالهاتف أنّ عبد اللّطيف قطيش، الذي يُحاكي عبد الله العلايلي نحافةَ جِسْمٍ وعُمْقَ مَعرفةٍ بمَعارِج العربيّة، قد توفّى في عيناتا ولم يَسِر في جنازته إلّا بضعة أشخاص بسبب محظورات كورونا. وحين علمتُ بوفاة عقيل الشيخ حسين كان حزني مُضاعَفاً بالأسى لعدم استطاعتي حضور جنازته في عيترون.

مَوتان اثنان

هناك موتان أحدهما يعنيني ويُصيبني في الصميم وآخر أكاد لا أكترث له قط: موت الذين أعرفهم ويشكّلون الدائرة المباشرة لحياتي؛ وموت عامّة الناس الذي لا يعنيني في شيء، فهو لغز يعني البشريّة جمعاء، تتخبّط في سرّه، ولا أتحمّل شيئاً من وزره. وكنتُ أُسجّل شريطَ الموتِ هذا، الذي عبر في ذهني، حينما وصلني من الطيّب العروسي بالهاتف خبر وفاة الصديق الصحافي حسن السوسي في مراكش. فشريط الموت وجوهٌ أعرفها عن كثب، عشتُ معها فكانت جزءاً لا يتجزّأ من حياتي، بل ربّما هي حياتي كلّها. وهذا الشريط هو بدَوره جزءٌ من وجوه كثيرة يحملها قطارُ الموت الطويل ويمضي بها مُعوِّلاً بصفيره الرهيب، وجوهٌ لا أعرفها، حتّى إنّني لا أستطيع تبيُّنَها، شعوبٌ بأسرها، عربيّة في معظمها، يعمل فيها الموت، على امتداد الجسد العربي من لبنان وسوريا إلى العراق واليمن… بأكثر ممّا يعمل في جسد أيّ شعب آخر. ومع أنّ من الغبن أن نسمّي ما يجري في بلداننا مَوتاً، فشعوبنا تُقتَل قتلاً، وليست تموت، فإنّ بعض مَن في القبور ليسوا موتى يحكمون أحياء، بل هُم أحياء يحكمون موتى خارج قبورهم.

***

(*)  كاتب من لبنان مُقيم في باريس

(*)  مؤسسة الفكر العربي-نشرة أفق

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *