ريح تأتي بأوراق الغار

Views: 664

 فيصل طالب

 

هل ارتحلتْ عنك يا قدْسُ مُزْنُ “الغيارى”،

فأمطرتْ شرقاً وغرباً وابلاً من الخُطَبِ ؟!

هل سرْتِ إلى أقدارك من غير أهل وخلّانِ ؟

هل صرتِ في هذا الزمان يتيمةَ الزمانِ ؟

 

 

كيف لطفلةٍ أضاعتْ أبـَوَيْها أنْ تلمَّ عينيها

المتناثرتين في كل حَدَبٍ وصوب؟

تبحثُ عن أمان هارب في أزقّة الانكسار،

وتنامُ على وسادة الدموع،

وتحلمُ بأن تطوي خيمةَ الانتظار ،

وتجتازُمفازاتِ النوائب وصروف الليالي،

وتصبرُكصخرةٍ على الرزايا،

ولا تستفيقُ على همهمات الوعود…

ومغبّة الأوهام !

 

 

تزرعُ القدسُ سندياناتِ الصمود فوق الربى،

وتختزنُ ندى الصباحات في قوارير السَفَر إليها،

وتعبقُ بأنفاس النرجس والصعتر والطيّون،

لربيع يأتي مخاضُه ولو بعد حين،

وتفرش للعصافير المهاجرة بيادرَ الحنين،

وتغسل لها بدمع الشوق أشجار التين والزيتون،

كي تنشدَ في أفيائها :

“لأجلكِ يا مدينةَ الصلاة أُغنّي”.

 

 

تُرى هل ما زلنا نحفظ أرحامنا وأسماءنا وأنسابنا ؟

كيف بدّلنا بشرتنا وألوانَ عيوننا ؟

وكيف صار للقبائل والطوائف أبطالٌ

من غير الذين أحببناهم، وحفظناهم،

 وأودعناهم كتبَ التاريخ، ثمّ نسيناهم ؟!

 

… وركبنا الرّيحَ من غير قلق،

لم نوجّهها جنوباً أو شَمالاً،

لا يميناً ولا شِمالاً !

بل دارت بِنَا حتى ضاقت الدنيا في عيني”أرملة “

تبكي بعلَها منذ الفراق .

لا .. ليست القدسُ أرملةً ترتجفُ من صقيع هذا الزمان؛

فربُّ البيت يطعمها من جوع، ويؤمنها من خوف.

قوتُها من غمامٍ يُنزل عليها منَّ السماء وسلواه .

وقُوَّتُها ريحٌ تأتي إليها بأوراق الغار من سهل ونهر!

 

 

صبراً يا قدسُ!

فالبُراقُ لم يزل يتحمحمُ في ساحة مسجدك،

والفاروق لمّا يُنهِ صلاتَه على باب كنيستك،

وصلاح الدين استفاق من يوم أن قرعتْ قبرَه

عصا الثأر من حرّيتك،

ومحمود درويش ندم على رحيله المبكر، وعاد ينشد:

“على هذه الأرض، سيّدة الأرض، ما يستحقّ الحياة!“

صبراً سيّدة الأرض !

فما دامت عيوننا إليك ترحل كل يوم،

فلن يغمضَ جفنٌ، ولن تنتهي الحكاية،

فلا تحزني، ولا أهلوك يقنطون !

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *