الفلسفة المعادلاتية وتحليل الزمن

Views: 435

حسن عجمي

 

   بالنسبة إلى الفلسفة المعادلاتية، الزمن معادلة رياضية ألا وهي التالية: الزمن = إنتاج انتظام الكون × إنتاج انتظام العقل. لهذا التحليل المعادلاتي فضائل عديدة منها أنه يوحِّد بين المذهبيْن الفلسفيين الأساسيين المتنافسين حيال تحليل الزمن فيحلّ الإشكال الفلسفي القائم بينهما.

   بما أنَّ الزمن = إنتاج انتظام الكون × إنتاج انتظام العقل، إذن الزمن صفة موضوعية للكون فيوجد حقاً في عالَمنا بفضل أنه انتاج انتظام الكون وأحداثه والزمن أيضاً صفة أو بنية عقلية ذاتية ونسبية بفضل أنه انتاج انتظام العقل. من هنا، تتضمن معادلة الزمن أنَّ الزمن صفة للكون الواقعي فيوجد في الكون بالفعل وأنه أيضاً صفة أو بنية عقلية معتمدة على العقل البشري في آن. وبذلك توحِّد معادلة الزمن بين المذهب الفلسفي القائل بأنَّ الزمن موجود في الكون وصفة موضوعية للكون والمذهب الفلسفي القائل بأنَّ الزمن بنية عقلية معتمدة على العقل ما يمكّن معادلة الزمن من حلّ الخلاف الفلسفي القائم بين المذهبيْن السابقيْن. وبذلك تكتسب معادلة الزمن فضيلة حلّ هذا الخلاف الفلسفي ما يعزِّز مقبوليتها ويدلّ على صدقها من جراء نجاحها في حلّ هذا الإشكال الفلسفي الأساسي.

 

لا وجود للزمن

   معظم الفيزيائيين يعتبرون أنَّ الزمن غير موجود في الكون. وحجتهم هي أنَّ الزمن ليس جزءاً من القوانين الطبيعية المجرّدة الحاكمة للكون بينما هذه القوانين تعبِّر عما هو موجود في الكون وبذلك الزمن غير موجود بالفعل في عالَمنا. ويتفق القديس والفيلسوف أوغسطين مع هؤلاء الفيزيائيين حين يؤكِّد على أنَّ الزمن ليس سوى بنية عقلية فلا وجود للزمن فعلياً في عالَمنا الواقعي. لكن فقط القِلة من الفيزيائيين يدافعون عن الوجود الفعلي للزمن كالفيزيائي لي سمولن الذي يقول بوجود الزمن في عالمنا ويصرّ على أنَّ عدم وجود الزمن في القوانين الطبيعية المجرّدة ليس دليلاً حقيقياً على عدم وجود الزمن في الكون، لأنَّ تلك القوانين الطبيعية ليست سوى نماذج رياضية لفهم الكون وليست مطابقة للكون. على ضوء هذه الاعتبارات، يوجد مذهبان فلسفيان وعلميان متنافسان هما المذهب القائل بعدم وجود الزمن في الكون والذي يعتبر بذلك أنَّ الزمن مجرّد بنية عقلية والمذهب القائل بوجود الزمن فعلياً في عالَمنا والذي يؤكِّد بذلك على أنَّ الزمن صفة أساسية للكون. لكن كما رأينا تنجح معادلة الزمن في التوحيد بين هذيْن المذهبيْن من خلال تحليلها للزمن على أنه انتاج انتظام الكون والعقل معاً.

 

إنتاج انتظام الكون

   إذا نظرنا إلى العلاقات السببية فسوف نجد أنَّ الأسباب تأتي أولاً في الزمن ومن ثم توجد نتائجها في زمن لاحق. وبذلك بلا وجود الزمن لا تنتظم العلاقات السببية الحاكمة للكون وأحداثه. من هنا، بلا وجود الزمن لا ينتظم الكون. هكذا الزمن يُنتِج انتظام الكون ولذلك من المُبرَّر ومن الضروري أيضاً تحليل الزمن على أنه إنتاج انتظام الكون كما تفعل معادلة الزمن. وبلا زمن لن يوجد مستقبل وبلا مستقبل يستحيل التنبؤ بالمستقبل فتستحيل العلوم القائمة على التنبؤ بما سوف يحدث في المستقبل على ضوء نظرياتها وقوانينها (التي تحتوي على قدرات علمية تنبؤية بفضلها تتنبأ بما سوف يحدث من أحداث في المستقبل على أساس ما حدث سابقاً في الماضي اعتماداً على الاستقراء المؤسِّس للنظريات العلمية وقوانينها). من هنا، بلا وجود للزمن لن توجد العلوم وبذلك لن ينتظم العقل بصياغة العلوم. لذلك من الضروري والمُبرَّر تحليل الزمن على أنه إنتاج انتظام العقل تماماً كما تفعل معادلة الزمن. فالعقل ينتظم بالزمن فبلا زمن لن يتمكّن العقل من استنتاج ما سوف يحدث في المستقبل على ضوء ما حدث في الماضي. كل هذا يرينا صدق معادلة الزمن التي تعرِّف الزمن من خلال إنتاج انتظام الكون والعقل في آن.

  تنجح معادلة الزمن أيضاً في التعبير عن المفهوم الكلاسيكي لسهم الزمن أي اتجاه الزمن وانتقاله من الماضي إلى الحاضر ومن ثم إلى المستقبل. فبما أنَّ الزمن = إنتاج انتظام الكون × إنتاج انتظام العقل، وعلماً بأنَّ الكون ينتظم بالعلاقات السببية بحيث تأتي الأسباب أولاً في الماضي ومن ثم تحدث نتائجها لاحقاً في المستقبل، إذن من المتوقع أن يتجه الزمن من ماض ٍ إلى مستقبل مروراً بالحاضر كحلقة انتقال بين ماض ٍ ومستقبل. هكذا تتمكّن معادلة الزمن من التعبير عن النموذج الكلاسيكي لعبور الزمن من ماض ٍ فحاضرٍ ومن ثم إلى مستقبل.

 

فعالية الزمن

   من المنطلق نفسه، تنجح معادلة الزمن في التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل. فبما أنَّ الزمن = إنتاج انتظام الكون × إنتاج انتظام العقل، وعلماً بأنَّ الكون ينتظم بالعلاقات السببية فتوجد الأسباب أولاً في الماضي ومن ثم توجد نتائجها لاحقاً في المستقبل، إذن الماضي مجموع الأسباب بينما المستقبل مجموع نتائج تلك الأسباب أما الحاضر فحلقة انتقال الماضي إلى مستقبل أو انتقال المستقبل إلى ماض ٍ. هكذا تتمكّن معادلة الزمن من التمييز بين الماضي والمستقبل والحاضر على أساس تحليلها للزمن على أنه إنتاج انتظام الكون الذي يستلزم وجود الأسباب في الماضي ووجود نتائجها في المستقبل وانتقال الماضي إلى مستقبل أو العكس. وكل هذه النجاحات تدلّ على صدق معادلة الزمن وتفوّقها المعرفي.

   بالنسبة إلى معادلة الزمن، الزمن فعّال. فإن كان الزمن = إنتاج انتظام الكون × إنتاج انتظام العقل، فحينئذٍ الزمن مُنتِج انتظام الكون والعقل معاً. وبذلك الزمن فعّال بمعنى أنه مصدر انتاج لِما يحدث في الكون والعقل بدلاً من أن يكون مجرّد قالب يحتوي على الأحداث. من هنا، تنجح معادلة الزمن في التعبير عن أنَّ الزمن فعّال ما يفسِّر ضرورة وجود الزمن فبلا زمن تزول انتظامات الكون والعقل.

 

   من هذا المنطلق، تنجح معادلة الزمن في تفسير لماذا يوجد الزمن. فبما أنَّ الزمن = إنتاج انتظام الكون × إنتاج انتظام العقل، إذن بلا زمن لا ينتظم الكون ولا العقل وبذلك يستحيل وجود الكون والعقل فلا كون ولا عقل بلا انتظام. من هنا، لا بدّ من وجود الزمن لكي يوجد الكون والعقل. بكلامٍ آخر، إن كان الزمن = إنتاج انتظام الكون × إنتاج انتظام العقل فحينئذٍ يتضمن وجود الكون والعقل وانتظامهما وجود الزمن. ولذلك الزمن موجود كنتيجة حتمية لوجود الكون والعقل. فلا كون ولا عقل بلا زمن. ومن هنا أيضاً نستنتج بحق استحالة وجود أيّ كون ممكن بلا وجود الزمن ما يجعل الزمن عنصراً أساسياً وعاملاً جوهرياً لوجود أيّ كون وتكوينه. هكذا تتنبأ معادلة الزمن باستحالة وجود أيّ كون بلا زمن فإن صدق هذا التنبؤ صدقت معادلة الزمن ما يجعلها معادلة قابلة للاختبار ما يعزِّز بدوره مقبوليتها ومصداقيتها المعرفية.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *