ياسين الأيوبي… وتُكرّمُ أيضًا!

Views: 36

د. عماد يونس فغالي

 

هل أنتَ يا سيّدُ في حاجةٍ بعدُ إلى تكريم؟ ومع ذلك تكرَّم أيضًا!

هل أنتَ في نقصٍ إلى إطلاق كتبٍ تُصدرها؟ ومع ذلك تُطلق لكَ الكتب، ويُحتفى بكَ وبكتبكَ!

أمَا هذا لأنّكَ في عمركَ المتقدّم، الذي أرجوه طويلاً، تُصدر الكتب؟ في الواقع تُصدر الفكر. ولا أضيف قيمةً لو قلتُ إنّ هذا دأبُكَ! بل القيمةُ في المادّةِ التي تقدّمها، والفرادة العالية التي تعلنها بها!

لستُ أقفْ يا سيّدي على منبر تكريمكَ ههنا، لأتكلّمَ على إصداراتكَ الأخيرة التي تتكرّمُ لأجلها، وتتكرّمُ هي برفدٍ إلى جمهور قادريك. أقفُ فقط لأقول على غير مألوف، وأرجو ألاّ يكون على غير مقبول، إنّي أعجبُ لتكريمكَ، وإن مُعجبٌ!!

لا أخفيكَ أستاذي الدكتور ياسين، وقد لا أبوحُ بسرٍّ، أنّكَ واردٌ إليّ أستاذًا جامعيًّا في لا اصطفاف. لم تساومْ ولم تحابِ الوجوه. والطامةُ في عُرفِ المستائين، أنّكَ علمٌ معرفيٌّ، يهابون عالي رفرفاتكَ الأكاديميّة وأحكامكَ العلميّة.

وإنّي واردٌ إليكَ ناقدًا أدبيًّا من طراز الصادقين. لا تقولُ إلاّ ما تؤمن بصوابيّته، غافلاً، حتى لا أقول متخلّيًا، عن تصفيق المتلقّي وإعجابه!

وألفيتُكَ في مضامينكَ الفكريّة، تُعلن غيرَ هيّاب. في هذا السياق، أذكرُ ما لفتني في مقدّمة “عندما يعصوصف الوصال”: “أنا عابدٌ لاهثٌ وراء الجمال ما حييت. فهو زادي وحصني من الرهق الزمنيّ والوهن الجسديّ…” وتضيف، لا مبرّرًا، لكن مؤكّدًا قناعةً في طبيعيّتكَ: “ويستوقفني أحد الفضوليّين، وهو مصيبٌ في ذلك، أنّى لكَ ذلك وأنتَ موقلٌ في الثمانين؟ بلى أنا كذلك، لكنّها المعجزة اللدنيّة الروحانيّة التي تهب من تشاء الصحّة والشباب، وتحرم من تشاء ولو كان من الشباب”!

من حفل التكريم: من اليمين النحات بسام ملوك، د. ياسين الأيوبي، رئيسة منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي ميراي شحاده حداد. (بعدسة الشاعرة إكمال سيف الدين)

 

قد يردُني اعتراضٌ الساعةَ: كيف تعجبُ يا هذا والدكتور ياسين يكرّم منذ مسيرته وفي انتظام؟

في الحقيقة، لن أُحرَج! يومَ زرتُه، رفقةَ ميراي المكرِّمتِه الليلةَ، كان يوم جمعةٍ في شهر رمضان الفضيل. وحان وقتُ الصلاة. فقالَ بعد استئذاننا وقبل تأديتها: لن تحرمَني الصلاةُ مجلسَكما، وأنا غيرُ مقصّرٍ مع الله! مَن يعرف التزامَ الدكتور ياسين الدينيّ، يستغربْ موقفه! لكن من يُدرك القيمةَ التي عنده للإنسان، يباركْ مسلكَه، ويعلِه. ومن يعتبرْ احترامَ الآخرَ فعلَ عبادة، يصنّف مكرَّمَنا في مقام الصفيّين، وإنّي لكذلك، صدّقوا!

يكرّمُكَ الليلةَ منتدى شاعر الكورة الخضراء. وكانَ هذا الشاعر مديرَ ثانويّة البترون يوم أنتَ فيها الناظرُ العامّ والمعلّم. تقول لم تعرفْ في أثنائها أنّه شاعرٌ. (Clonazepam) لكنّكَ يومَ عرفتَ، لم تنكفئْ عن تقديره. عبدالله شحاده يُضيء شعرُه ونتاجُه عمومًا بأشعّتِكَ الواهجة القارئته! تتعاطى معه بمحبّةٍ واهتمام، ولكن بمهنيّة علميّة عالية. أنتَ الناقد العاطي كلاًّ حقَّه وافيًا. في هذا الإطار جاءَ كتابكَ، أحدُ المحتفى بها الليلةَ “شاعر الكورة الخضراء في مجموعته الكاملة، جردة حساب في الموضوعات والأسلوب والقيم”، شاهدًا على ما أقول، في زمنٍ جمعكما لا تحُدّه مرحلة!

د. ياسين الأيّوبي،

في فضاءاتكَ التكريميّة يبان للمتأمّل أنّ أيّ تكريمٍ اليوم، لن يضيف إلاّ إضاءةً مستزادةً على مسيرةٍ نموذجٍ، حسبُ المحتفين بكَ يدْعون إلى اتّباعٍ واستفادة!

وأنا، الوافد إليكَ في الأيّام الأخيرة، دعني أعلن كم أحببتُ تصنيفكَ التعليم الجامعيّ في كلّيّة الآداب: “نحن نخرّجُ أدباء”. من يدرس الأدب، يتخرّجْ أديبًا. هذا لَعمري مسؤوليّةٌ تحمّلها للجامعة والطالب على حدٍّ سواء! لكنّها من دون شكّ، قمّةٌ في الدعوة تطلقها.

دعني أضيف كم وجدتُ عندكَ جواباتٍ عن تساؤلات، ارتحتُ إلى أحكامكَ فيها، أصابتْ فيّ القناعات. ما يجعلني أهتف: إنّكَ تتوّج قناعاتي وتَهديني إلى موانئَ فكريّة أرسو فيها بانسياب! حسبي أرتعُ في حنايا أُمنيةٍ ردّدتَها على مسمعي: “أرجو أن تكون ياسينَ آخر”، فأنعمُ بمكانةٍ تليق بما أصبو إليه!

في 13 أيّار 2021

***

(*) ألقيت في حفل تكريم  الباحث الأكاديمي الشاعر الدكتور ياسين الأيوبي  الذي نظمه منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده  الثقافي بمناسبة إطلاق كتبه، برعاية وزارة الثقافة اللبنانية، في الرابطة الثقافية-طرابلس.

(*) الصورة الرئيسية بعدسة الشاعرة إكمال سيف الدين

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *