صَحْوَةٌ

Views: 691

 محمد نعيم بربر   

   

لَمْ أَعُدْ أَمْلِكُ شَيْئًـــــا فِي يَــــدِي

كُلُّ مَا أَمْلِكُ قَدْ ضَــــــاعَ هَبَـــاءَ

تَاهَ فَي غُرْبَةِ نَفْسِـي، كَالصَّــدَى

فَتَمَاهَــــى، وَامَّحَى فِيهَا امِّحَـــاءَ

مِثْلَ نَجـــــــمٍ شَارِدٍ فِي ظُلْمَـــــةٍ

زَادَهُ الْبُعْدُ شُحُوبًـــــا وَانْطِفَــــاءَ

أَفْلَتَتْـــــــــــهُ مِنْ يَدِي أَقْــــــدَارُهُ

فَانْطَوَى يَخْتَزِنُ الْحُزْنَ انْطِـــوَاءَ

هَالَـــهُ مَا حَوْلَـــــــــــــهُ مِنْ زُمَرٍ

نَفَثُوا الْحِقْدَ سُمُومًـــــــا وَوَبَــــاءَ

حَشَدُوا الدَّهْمَاءَ، سَيْفـًـــــا قَاطِعًا

يُسْقِطُ الْعِلمَ، وَيُعْلِــــي الْجُهَــلاءَ

فَتَفشَّـــى الشَّــــرُّ فِي أَخلاقِهِــــم

ذِمَمًا، تَرخُصُ بَيْعـــًا وَشِـــرَاءَ

صَادَرُوا حُرِّيَّةَ الْفِكْــــرِ غَبَــــاءَ

وَاسْتَبَاحُوا حُرْمَةَ الْعَقْلِ افْتِــرَاءَ

واستَظَلُّوا خَيْمَةَ الْجَهْلِ سَمَــــاءَ

وَاكتَسَوْا مِن ظُلْمَةِ الْحِقدِ كِسَـاءَ

وَاسْتَكَانُوا حَذَرَ الْمَوتِ عَمًــــى

سُكْنَةَ الرَّهْبَةِ، فَازدَادُوا عَمَـــاءَ

ثُمَّ نَامُوا مِثْلَ أهْلِ الْكَهفِ، مَـــا

شَهِدُوا شَمْسًا وَلا اسْتَجْلُوا فَضَـاءَ

إِنَّهُــــم إِرْثُ الطَّوَاغِيتِ الَّتِـــــي

شَيَّدَتْ لِلْجَهْلِ صَرْحًا وَبِنَــــــاءَ

أَسْقَطُوا فِي جُذْوة النَّارِ يَــــــدِي

وَلَكَــمْ كَانُوا طُغَـــــاةً أَغْبِيَـــــاءَ

حَسِبُوهَــــا دُمْيَـــــةً أَلْهُو بِهَـــــا

خَسِئُوا جَهْـــلًا، وَكَانُوا بُلَهَـــاءَ

فَهْيَ صِنْوُ الْحَقِّ عَزمًا وَإِبَــــاءَ

حَسْبُ مَاضِيْهَا شُمُوخًا وَارْتِقَاءَ

مِثْلَ حَدِّ السَّيفِ كَانَتْ، كَالْمَـدَى

تَقْطُفُ الأَنْجُمَ، شِعْرًا وَغِنَــــاءَ

مِثْلَ وَجْهِ الصُّبحِ كَانَت، كَالنَّدَى

فَوقَ خَدِّ الزَّهرِ، عِطــرًا وَرُوَاءَ

مِثْلَ قَلبِ النَّوْرَسِ الْمَفتُونِ فِـــي

مَرْقَصِ الأَمْوَاجِ، يَسْتَقْطِرُ مَــاءَ

هَكَــذا كَانَت يَــــــدِي مَمْــــدُودَةً

لِعُيُونِ الْكَونِ، تَسْتَجْلِي ذُكَــاءَ (1)

وَيَرَاعِــي رِيشَـــــــــــةٌ تَرسُمُهَــا

لَوْحَـــــــةً بَيْضَاءَ، كَالثَّلجِ نَقَــــاءَ

لَمْ أَكُــــنْ أمْلِكُ فِيهَــــــا ثَـــــرْوَةً

ثَرْوَتِي فِكْرِي، سَيَكْفِيْنِي عَطَـاءَ

غَيْرَ أَنِّـــي رَغْمَ مَا قَد سَامَنِــــي

مِنْ جَنَى الْغُربَةِ، بُؤْسًـا وَشَقَـــاءَ

لَم يَزَلْ فِكْــــــــرِي بِمَا يَمْلِكُــــهُ

شُعلَـــةً تُومِضُ أَرضًا وَسَمَــــاءَ

إِنَّ بُــــــؤْسَ الْعَبْقَرِيِّيـــــــــنَ إِذَا

مَا طَغَى، أَشْعَلَ فِينَا الْكِبرِيَـــاءَ

وَكَذَا فِكْـــرِي إِذَا مَا طَافَ بِـــي

عَبْقَرُ الشِّعْرِ، عَلَى الدُّنْيَا أَفَـــاءَ

فَهْــوَ مِثْلَ النَّبعِ لا يُنْضِبُـــــــــهُ

عَطَشُ الصَّحْرَاءِ سُقْيًا وَارْتِــوَاءَ

وَهْوَ مُلْكٌ لا يُوَازِيهِ سَنـــــــــًى

أَيُّ عَرْشٍ وَهْوَ كَالرُّوحِ سَنَــــاءَ

جُمِعَتْ فِيهِ هِبَــــاتُ اللهِ لِـــــي

فَاسْتَظَلَّتْ تَحْتَهُ الأَرضُ رُخَــاءَ

قَد تَجَلَّتْ صَحْوَتِي فِيهِ، وَقَـــــدْ

كَشَفَتْ عَنِّي مِنَ النَّاسِ الْغِطَــاءَ

لَم يَعُدْ فِكْرِي حَبِيْسًا، لَمْ يَعُــــدْ

يَأسِرُنِــي قَيْدٌ، أُسَمِّيـــــهِ وَلاءَ

إِنَّ قَيْدَ الأَسْرِ أَدْمَـــى مُهْجَتِي

فَاسْتَحَالَ الْقَيْدُ فِي كَفِّي دِمَـــاءَ

أَتُـــــرَى كَانَ وَفَاءً مُفْرِطـــــًـا

حُبُّ قَيْدِي أَمْ تُرَى كَانَ عَـزَاءَ؟!

أَتْعَبَتْني قَسْوَةُ النَّــاسِ عَيَـــــاءَ

وَكَفَانِــي غَدْرُهُمْ سُقْمــًـا وَدَاءَ

أَقْعَدُونِي عَنْ طِلابِ الْمَجْدِ فِي

قِمَّـــةِ الْعَلْيَاءِ، هَمًّا وَانْكِفَــــاءَ

وَأَضَاعُوا فِي قِوَى عَزْمِي عُلًى

كَانَ أَوْلَى أَنْ يَفِي عَزْمِي عَلاءَ

فَوَلائِــــي كَانَ سِجْنًا مُظْلِمـــًـا

وَوَفَائِـــي خَالَهُ النَّاسُ ادِّعَــــاءَ

 حَسِبُــوهُ فَرْضَ عَيْنٍ وَاتِّقَـــــاءَ

مِنْ أَذَى النَّاسِ وَظَنُّوهُ رِيَـــــاءَ

وَأَشَـــاعُوهُ كَمَـــا لا أَشْتَهِـــــي

رُبَّ قَوْلٍ شَــــامَ فِكْرِي فَأسَــاءَ

زادَهُم صِدْقِي غُرُورًا وَجَفَــاءَ

لَعْنَــــةُ اللهِ عَلَيْهِــم أَشْقِيَــــــاءَ

خِلْتُهُـــمْ مِثْلِي أُنَاسًا شُرَفَـــــاءَ

وَحَسِبْتُ الصَّحْبَ فِيْهِم أَوْفِيَـاءَ

غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكُن إِلاَّ “أَنَــــا”

شَاعِرًا، قَدْ زَادَهُ النَّاسُ ابْتِلاءَ

إِنَّ قَلْبِي مِثْلَ نُوْرِ الشَّمْــسِ لا

يَدَّعِي فَضْلًا، وَلا يَرْجُو ثَنَاءَ

وَسَنَى شِعْرِي كَقَلْبِي شُعْلَـــةٌ

نَارُهَا نُوْرٌ، تَجَلَّى فَأَضَـــــاءَ

وَأَنَا كَالزَّهْرِ، رُوْحِي نَسْمَــةٌ

تَنْفُثُ الْعِطْرَ، جَمَالًا وَبَهَـــاءَ

غَيْرَ أَنّــَي مَا تَنَدَّمْتُ عَلَــــــى

سِيْرَتِي فِي النَّاسِ صِدْقًا وَوَفَاءَ

أَيْقَظَتْنِي صَحْوَتِي مِنْ غَفْلَـــةٍ

أَزْهَقَتْ رُوْحِي هُمُوْمًا وَبَــلاءَ

كَمْ شَهِيْدٍ كَانَ فِيْهِمْ شَاعِـــــرًا

عَبْقَرِيًّا، يُشْبِهُ السَّيْفَ مَضَاءَ

وَغَرِيبٍ فِي عُيُونِ النَّاسِ كَمْ

قَارَعَ الْعِلْمَ، وَبَزَّ الْعُلَمَــــاءَ

فَدُعَاةُ الْفِكْرِ، كَانُوا عُظَمَــاءَ

وَهُدَاةُ الْحَقِّ، كَانُوا أَنْبِيَــــاءَ

غَايَتِي فِي النَّاسِ أَنْ أَسْمُو بِهِم

وَأُشِيْعَ الْحَقَّ نُبْــلًا وَإِبَــــــــاءَ

وَتَرَانِي أَقْرَبَ النَّاسِ هَــــوًى

لِلأُلَى كَانُوا ضِعَافًا بُسَطَــــاءَ

فَهُمُ بالرُّوْحِ، نَجْوَى خَاطِرِي

وَبِهِمْ عَيْنُ ضَمِيْرِي تَتَــرَاءَى

عَشِقَتْ رُوْحِي جَمَالَ الْكَونِ مَا

خَفَقَتْ فِيْهِ، صَبَاحًـا وَمَسَـــاءَ

وَجَمَـــالُ الْمُبْدِعِ الْفَرْدِ بِـــــهِ

يُلْهِمُ الْفِكْرَ وَيُغْرِي الشُّــعَرَاءَ

يُوْقِظُ الْغَافِيْنَ عَنْ أَحْلامِهِـــم

كُلَّمَا نَامُوا، اسْتَزَادُوا خُيَلاءَ

وَيَرُدُّ الرُّوْحَ فِي أَجْسَــادِهِـم

وَيَبُثُّ الدِّفْءَ فِيهِمْ وَالضِّيَـــاءَ

حَسْبُ رَبِّي مُلْهِمًا أَهْفُو لَــــهُ

حَسْبُهُ ذُخْرًا لِقَلْبِي وَرَجَــــاءَ

مَا عَدَاهُ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ قَــــــــذًى  

خَادِعًا يَذْهَبُ فِي الأَرْضِ جُفَاءَ

كُلُّ قَوْلِي شَاهِدٌ فِي دَفْتَــــرِي

نَاطِقٌ عَنِّي بِمَا شِئْتُ وَشَــــاءَ

صَحْوَتِي كَفَّارَةٌ عَنْ نَدَمِــــي

كُنْتُ ذَا حِلْمٍ وَكَانُوا سُفَهَـــاءَ!!

***

(1) ذُكَاء: مِنْ أسْمَاءِ الشَّمْسِ.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *