سجلوا عندكم

جوزف حرب… التعامل مع الأساطير تعامل مع جوهر الشعر

Views: 528

وفيق غريزي

 دخل مملكة الشعر متسلحًا بموروث ثقافي وتراثي. تحدث في نتاجه الشعري عن ملحمة الانسان في هذاالعصر، على الصعيدين الفردي والجماعي، وعبر رؤاه نطل على عالم آخر، عالم لا مرئي، مليء بالخبز والفرح، ننسى امامه عالمنا الماًسوي. إنه الصديق الوفي الراحل جوزف حرب، الذي قمت بالرحلة الآتية الى فضاءاته الشعرية.

رمزية الجسد والروح

مجموعة الشاعر جوزف حرب “مملكة الخبز والورد” هي عمل شعري متكامل قائم على اسطورة، وهذه الاسطورة هي له. ولقد اعتاد الشعراء العرب ان يستندوا الى الكثير من الاساطير الشرقية والغربية. وهو يعتقد ان لكل عصر اساطيره وملاحمه، وهذه المجموعة ترتكز على اسطورة مفادها أن الانسان عندما يولد في أي مكان، وأي زمان تعطيه الشمس الوانها السبعة، على أن يقدِّم هذه الالوان الى الارض، من اجل أن يزداد فيها الحب والامومة والفن والقمح والحرية، وأن تتوحًد، وأن يكون مستقبلها مستقبلا مشرقًا، كل لون له رمز، وحين يولد الانسان، يسرق اللصوص منه هذه الالوان، فيمضي حياته محاولا استرداد هذه الالوان ليعطيها الى الارض، ومن ثم يكون في هذه الفترة الزمنية التي عاشها قد امتصّ الكثير من سواد الارض، هذا السواد الذي يتحؤل في نهاية الأمر الى بطاقة يبرزها للقبر كي يستطيع الدخول إليه.

مجموعة “مملكة الخبز والورد” عمل شعري متكامل قسَّمه الشاعر الى مجموعة فصول ومشاهد، قد يظن البعض انها تشكل نصوصًا متفرقة، في انها مشاهد وفصول فرضها سياق هذا العمل الشعري. اما الخبز والورد فيرمزان الى الجسد والروح. هذا الخبز وهذا الورد انما هما جسد الانسانية وروحها، منذ بدايتها الى ذاك المجهول الذي لا نعرف له بداية ولا نهاية. هذا الثنائي الذي ينصهر في احادية تفرضها الحياة على الارض، لا يستطيع إلا ان يكون متجانسا ومتكاملا، وان يصب كل منهما في الآخر.

بمعنى آخر ان الانسان في هذا العالم، رغم القوميات والدول والاجناس، إنما همومه هي هموم واحدة، وحروبه حروب واحدة، وسلامه سلام واحد حسب قول جوزف حرب، رغم ان قسمًا منه قد يكون متقدما وقسما آخر متخلًفا. وحين كتب جوزف حرب هذه المجموعة كان يفكِّر في أن يجد في هذا الانسان عبر شاعريته وثقافته وارثه ومسؤولياته مستقبلا يرى فيه الارض وقد تحوّلت الى عالم جميل، قليل الحروب، قليل الفقر والجوع، قليل النزاعات، ويظن ان كل شاعر اذا اراد ان يكون مسؤولا امام هذا العالم فمن المستحيل ان يترك هذا العالم من غير ان يقول كلمته فيه، ومن غير ان يجد في داخله صوتًا يحاول من خلاله ان ينقذ العالم من كل مآسيه وخياراته ومراراته.

الرؤى واللغة الشعرية

  النفس اوسع من اللغة، ولهذا وجدت الاستعارات والتشابيه وما نعتبره محسنات لفظية ومحسنات معنوية. ومن هنا جاءت الرومنسية، المفردة لتصبح قريبة من ابعاد النفس كما يقول جوزف حرب، على الشاعر اولا ان ينقذها من القاموس، فهي تعيش في تحديد ذي اطار ضيًق، لا ينقذها منه سوى النفس في ما تهدف اليه وفي ما تريده. ولكن لدى الشعراء، لا مجال للتعبير او لايجاد مجرى لهذا التململ العميق الداخلي، الا اللغة. مرات كثيرة نصطدم بهذه اللغة، مرات كثيرة نجد ان خلاصنا فيها، ولكن دائما هنا صراع بين عمق النفس او بين اتساع النفس وضيق اللغة.

يقول جوزف حرب: “انا في ما اكتب اظنني اعاني كما عانى الآخرون، فريدريك نيتشه يعتبر أن الكتابة حالة مرضية قريبة من الموت، وهذه الحالة جزء منها متعلِّق بذاك الصراع او تلك الخسارات التي تقع فيها النفس عندما تحاول ان تجد لها مخرجا، فتقع في ماًساة ما تريد ان تقول وفي الادوات التي وجدت بين يديها.

 يظن الشاعر حرب أنه، وأن الاخرين، يعانون من هذا الأمر، عندما نكتب شيئا نقع في صراع مرير، في كيفية ايجاد الشكل الافقي الواسع لكل هذه المسارات والكواكب التي تتململ في داخلنا. يبقى الامر انه كلما كان مثقفا اكثر، وكلما كان غنيا بينابيعه اللغوية، وغنيا بميراثه في الكتابة، ومنفتحا على التراث وجميع الكتابات، يجد نفسه اقرب الى الخلاص من شاعر آخر ليست له هذه المواصفات.

الاسطورة المغايرة

استخدم جوزف حرب الاسطورة بشكل مغاير لكثير من الشعراء وابرزهم: ادونيس، عبد الوهاب البياتي، بدر شاكر السياب، جبرا ابراهيم جبرا، وغيرهم، والفرق بينه وبينهم انهم لم يعطونا اية اسطورة. كلهم استندوا كما ذكرنا سابقا الى الاساطير المشرقية والغربية، وحاولوا أن يخرجوا منها عالمًا شعريا ارادوا ان يعبِّروا من خلاله عن شيء ما، كالموت مثلا، كالانبعاث والخصب مثلا، الى ما هنالك مما يريدون ان يعبِّروا عنه.

 وجوزيف حرب لم يفعل ذلك، فهو في “مملكة الخبز والورد” و”شجرة الاكاسيا” أوجد اسطورة حاول من خلالها ان يبني عالما شعريًا يهدف من خلاله الى فضائه الخاص في ما يريد ان يقوله وفي ما يريد ان يعبِّر عنه.

 إن الشاعر الذي يقف ضد الاسطورة يسقط عن الشعر جناحًا وافقًا، بحيث يجد الشعر نفسه من دونهما غير قادر على التحليق في تلك الاجواء التي توحي بعقائد لا اجوبة على اسئلتها. من هنا يعتقد جوزف حرب ان التعامل مع الاساطير انما هو تعامل مع جوهر الشعر.

 المرأة وتماهيها

تتماهى المرأة في نصوص جوزف حرب، المرأة الحبيبة، والأم، والمرأة الارض، ومن هنا تداخل الاشياء ينقذها من عزلتها وغربتها، التي لا تعني هنا إلا ذاك الحزن العميق الذي يولِّده الفراق عندما تلتقي الاشياء ليودعوا كله الآخر.

هناك الأم وهناك الحبيبة وهناك الأرض والحرية والخبز، كل هذه الاشياء نحن بحاجة اليها لانها تنقذنا من غربتنا اولا ومن الفراق الذي لا نستطيع احتماله ثانيا، ومن الوحدة التي لا يستطيع الانسان ان يعتبرها هدفه طالما انه راغب في ان يذوب في الاشياء.

(solidstonefabrics.com)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *