أزمة الوجود بين الذات والآخر في ديوان “الشعر العلمي” للمفكِّر حسن عجمي

Views: 132

وفيق غريزي

 

لا يقاس ابداع الشاعر بفصاحة تعبيره عما يشعر به الاخرون. أي هؤلاء العاجزون عن تفريغ احاسيسهم في قصيدة، وعن قولبة مشاعرهم في ديوان شعري. بل يقاس بطاقته المفرطة على استشعار “الاتي” او التنبوء بالمستقبل، الأمر الذي يفتقده رجال السياسة، لا لأن السياسة مشدودة الى ما يحصل او ما سيحصل، بل لان لغة الشعر قابلة لتقدير ما لا تتوقعه السياسة المنغمسة حتى نخاع العظم في مجريات الاني..

الفيلسوف المهاجر

المفكر – الشاعر الصديق الغالي والوفي، الذي ضاقت به سبل الحياة في هذا الوطن المطعون في الصميم، الأمر الذي دفعه للهجرة الى الولايات المتحدة الاميركية في اطار هجرة او تهجير الادمغة اللبنانية، هذا المفكر، الذي اغنى المكتبة العربية بكتب فلسفية وفكرية تتناول نظرية فلسفية جديدة في العالم العربي، ومن مؤلفاته: “سوبر مستقبلية/سوبر حداثة/سوبر اصولية/معراج المعنى/ووحي اللغة وغيرها “، هذا الصديق الفيلسوف كغيره من من الفلاسفة السابقين له، شاعر قدّم لنا مجموعتين شعريتين، المجموعة الثانية تحمل عنوان “الشعر العلمي”. وهو لا يخرج في شعره عن نظريته الفكرية، ويرى أن شعر الخيال العلمي هو الشعر الذي يستخدم المفاهيم العلمية في بناء نصه، ولا يعبِّر بشكل مباشر أو غير مباشر عن النظريات العلمية المقبولة، بل يتحرر ويصبح شعرًا خياليًا يعتمد المفاهيم العلمية منطلقا له. اما الشعر العلمي من وجهة نظره فينقسم الى قسمين:

أولا – شعر يعبِّر بشكل مباشر عن النظريات العلمية الصادقة، ويميزه عن شعر الخيال العلمي أن الاخير لا يعبِّر عن النظريات العلمية، بل يستخدم مفاهيمها كمفهومي الذرة والثقب الاسود.

 ثانيا – شعر يبنى على التسليم بالنظريات العلمية الصادقة.

واستنادا الى هذه النظريات يتكوَّن النص الشعري العلمي شرط أن يكون منسجما معها وأن يشير بشكل غير مباشر اليها. ويقول عجمي إن ما يميزه عن النوع الاول هو انه لا يعبِّر عن النظريات العلمية بشكل مباشر. وهذه القضايا تناولها في ديوانه “الشعر العلمي”.

 

الوجود والعدم

يأتي العدم الى العالم عن طريق الانسان، ولكن لكي يكون الانسان من اتباع العدم، لا بد أن يكون حاملا للعدم في داخله، والواقع هو أن تحليل الموجود لاجل ذاته يظهر أن الانسان ليس فقط يحمل العدم، بل أن العدم هو قوامه. لكن لا ينبغي أن نفهم من هذا أن الانسان في شموله عدم، بل أن في الانسان ما هو في ذاته، مثل جسمه والأنا وعاداته، إلا أن ما هو انساني في الانسان قوامه العدم وفق الفلسفة الوجودية الملحدة. من خلال هذه الجدلية العبثية، نجد أن الانسان لم يعد له وجود، او هو على وشك الاختفاء، لقد اضحى تصورنا له، كذات وعقل وارادة، ومقدرة على الخلق والابداع، متهافتا. (https://aardvarkisrael.com/) ومعالم صورته الماًلوفة بالنسبة الينا بدأت تتلاشى وتشظت هويته، واصبحت في عداد ما هو عابر في الواقع اللانهائي. وليس الانسان في حقيقة الأمر الا مخلوقا سلبيا. ومنفعلا وعاجزا. انه مخلوق غارق في عالم لم تكن له يد في صنعه. وهو على الدوام اسير وضعيته المشروطة بحتميات متعددة تحدد كل ما يعتقد انه اختياراته.

القلق الوجودي

عندما يتم تجريد الانسان من الفكر والوعي ومن القدرة على الفعل والمبادرة، فماذا يتبقى لديه من خصائص يمكن أن تميزه ككائن انساني موجود؟ لقد استشرت عدوى الغاء خصائص الانسان، وبات من الواضح، انه حكم على النزعة الانسانية أن تنسحب كليا من الفضاء الجديد الذي لم يعد التفكير فيه ممكنًا إلا في غياب الانسان. إن القلق الوجودي الذي يعاني من وطأته الشاعر عجمي يختلف عن الخوف في أن التهديد، في حالة القلق، قد لا يكون محددًا لأن منبع هذا القلق هو العالم في ذاته، اما موضوع قلقه فانه بامكانه أن يكون موجودًا في العالم، وهكذا فان القلق يظهر للوجود هناك، من حيث هو وجود في العالم، وموجود فيه وجودا واقعيا.

اللغة الشعرية لدى حسن عجمي فعل يشير قبل أن يعني، إلا أن احدًا يتكلم ويفترض في الوقت نفسه وجود متلق، وبعد أن يتم الاتصال تصبح اللغة كالنقد، ومعين الكلمة هو “سعر” هذه الكلمة، ولا قيمة لها الا من خلال عملية التبادل، وتنتفي الرسالة العادية حينما يتحقق هدفها وهو الفهم.

 أما الرسالة الشعرية فعلى العكس، فهي تسعى الى الاحتفاظ بمبدأ الغموض، لأن للكلمة الشعرية معاني عدة، فهي تشبه شيئا ما باعتبار أن اي شيء هو ملتبس..

 

 نموذج من شعره :

“وبعض اللغة تعلم

 اكثر مما ينطق به اللسان

 وبعض الانسان لغة

وبعضه صدى

 وكل ما نلمسه بلغة

 يغدو النحن والأنا “…….

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *