يدي على خدّي

Views: 473

د. جان توما

تعِبَتْ يدي من خدّي.تلاشت أحلامي في محطة انتظاري. أنا الوطن النازف، فمن أحشائي خرج شعبي إلى الشوارع، ومن أضلعي كانت صرخة الموجوعين، وقد شقّت أبواب السماء، وأخبرت المولى بما صنعه المفسدون في الأرض.

صارت الأفواه الجائعة رغيف خبز طازج. صارت الرئتان حبّة دواء، والقلب كتابًا ومسكنًا، حتى زادت الهموم، ولم يعد يقوي جسدي على الوقوف، وقد تكسّرت عليه النصال على النصال.

جالسة أنا وأمامي تاريخ أولادي كلّه. يتقاتلون ويختلفون، ثم يتفقون، ويعاودون الخصام والأحلام والسلام. كلّهم أبناء بطن واحد، وسماء واحدة، فلماذا يتباعدون!

لماذا تَصْعُبٍُ تكاليف الحياة في بلدي؟ لماذا لا يتركون تلاله تتنفس، وأوديته للضباب تتحمّس، وأنهاره لرقرقة تتلمّس؟ لماذا أبادوا روابيه، ودمّروا شواطيه، ولوّثوا ينابيع فلاحيه، وشواطئ صياديه؟

جالسة أنا، وفي عينّيَ الف سؤال. تمرّ أمامي رفوف الشباب، يلمحون يدي على خدّي، فيما تتلمّس أياديهم مقابض حقائب السفر  في بحثهم عن جلسة مختلفة عن جلستي، لا همّ فيها ولا غمّ،

أعرف أن أحلامي توقفَتُ هنا، وأن طموحاتي صارت على قدر ثقل خطواتي، لكن همّي دائم في: كيف أقضي خواطر حياتي وحيدة؟ غابت وجوه أحبتي، منهم من رحل إلى “آخر الدني”، ومنهم من ابتلعه تنين الغربة وصار هباء.

بقي لي من هذه الأرض بعض الرضى، وبعض

صفحات دفتر الذكريات. غدًا، إن حطّت بين أيديكم ورقة من أوراق وجع تشرين عمري، فاعرفوا أنّ اشتياقنا إلى ملامحكم طغى على نبضات الشرايين، وأنّ يدكم إن سندت خدّي وجسدي، تخفّف من اضطراب أوردتي، وتعيد إيقاع حياتي، وَتُرْجِعُ جمالات الأبجدية في قاموس كلماتي.

***

(*) اللوحة للفنان حبيب ياغي بعنوان: Misery- معاناة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *