مهى بيرقدار: “الحب ينبوع الشعر والإبداع، وهو الموت كما هو الحياة”

Views: 739

وفيق غريزي

 امرأة اختصرت في شخصها نساء عديدات: المرأة الشاعرة، والمرأة الفنانة التشكيلية، والمرأة الجميلة، والمرأة -المرأة، اذا كتبت انسكبت الكلمات شعرًا، وإن رسمت انهالت الالوان افكارًا في منتهى الشفافية، وإن تحدثت فيسيل ينبوع العذوبة، إنها الصديقة الوفية الشاعرة والفنانة مهى بيرقدار الخال.

 الشعر بين التجربة والغرابة

الشعر العربي الحديث تجربة تحاول رسم صورة واضحة جلية للحداثة، وتنوير مساحات جديدة في عتمة الاحتمال من اجل اعادة التوازن بين الحلم والاداء الشعري، بحيث أن الشعر الحديث من منظور الشاعرة مهى بيرقدار هو مخاض ونتيجة حتمية للتجربة الانسانية، وهو ليس محاولة لتنوير مساحات جديدة في عتمة الاحتمال، بل هو تلك العملية المركبة.. وهو الاحتمال والحدوث، وفي هذا دهشة جميلة، كما انه ليس اعادة توازن بقدر ما هو التوازن.

إن الشعر الحديث هو الحي والحي من يتمتع بالحياة، وهي، أي الشاعرة بيرقدار، في عمق هذه التجربة، بها تتجمّل، وتعطيها الحياة فتعطيها هي ايضا الحياة. اما الغرابة فنرى الكثير من النصوص الشعرية تتميز بالغموض والغرابة. الغرابة من وجهة نظر شاعرتنا هي صفة من صفات الحلم، اما الغموض فهو عامل سلبي في كل شيء. قد تكون بعض النصوص تتمتع بهاتين الصفتين فيأتي الشعر عندئذ احجية، والشعر الواصل الجميل ليس باحجية، بل هو تلك النجوى الروحية للكائن مع الكائن، وهم ذلك الجدول النوراني بين الذات والذات لتجميل الحياة والبوح منها عنها واليها، الشعر ليس جدارية او سجادة تدارس بكل زخارفها، او تعلق امام العيون. الشعر هو تلك الهزة الجمالية والرعشة الالهية، التي هي فوق كل وصف لانها الحس المجرًد والمجسد في الوقت نفسه.

اللغة الشعرية والمرأة في المجتمع الذكوري

اللغة حوّلت الشعر من سلوك الى حوار، من ظاهرة انسانية ذاتية الى ظاهرة كتابية، واللغة اناء جميل لما يعتمل في الداخل، او هي كما تقول الشاعرة “ثوب الشعر، وبقدر ما يصفو ذاك الشعر بقدر ما تصفو وتأتلق اللغة ويشف ذاك الثوب “. الشعر هو ذاك البوح الجميل يأتي حاملا ثوبه، ولعمق شفافيته فانه لا يخطىء، لذا بقدر ما تصفو تلك الاعماق بقدر ما ترقى اللغة حتى بلوغ حدود الصلاة. والمراة تعيش في مجتمع ذكوري استبدادي، تحمل ثقل الاف السنين من القهر والاستلاب فهل تتمرد نهى بيرقدار على هذا الواقع عبر نتاجها الشعري والفني؟ والشاعرة مهى بيرقدار ليست متمردة، انما تعي، وترصد وتقول، انها ثورة ضوئية من جمال الشعر والفن، وحين تقول فانها لا ترد على احد او قهر، بل تقول لتسمع وتنتشي وتنسى الموت. ما من وقت الا للجمال، وها هي تعيشه وتقدمه ثم تنساه كي تعود وتفكر بسواه، وهكذا، ننسى انتظارنا. ترى هل في هذا اضافة لكل التراث الانساني؟. وتؤكد اننا استمرار لحالتنا وتعميق تجربتنا، وصوتنا كالماء موصول. ما نقوله نقوله مرة ونستمر في سماعه حيث لا وقت. هي مرحلة تشبه سابقتها كما وجوهنا تشبه حالة حالها دوما، وهي تشبه لاحقتها حيث وجوهنا تشبه حالة بعد حين.

“لم تكتب سطرا الا وكان الحب نسغه”

الحب ينبوع الشعر، فمنذ وعي الانسان حقيقة وجوده حتى اليوم لم نجد شاعرًا او فنانًا، إلا وكان الحب لمعة تضيء الابداع وترفده بانقى العطاءات. والحب وحده قيمة عظمى كما الفن، وكل ما عداه يسكن خانة العاديات، وتقول الشاعرة: “الحب نشوة العقل والروح والجسد، هو الاسر الجميل والحرية الاجمل، هو نطفة الضوء التي تتوالد من حالها في قلب هذه الظلمة الفسيحة، الحب هو النبض الحارق والمنير في وقت واحد، هو الموت كما هو الحياة”.

 الحب عالم متميز بابعاده، ولما كانت المرأة تعمل على استرضاء الرجل، فان لديها القدرة على المصالحة التوفيقية بين الحب والجنس، وبين الروحي والجسدي. وفي هذا المجال تقول مهى بيرقدار: ” ان كنت امرأة حقا، فانا لا استرضي الرجل بل تسعى اليه لتكتمل فيه ونشكل ذاك الكيان الفتان من جمال وكمال. واذا كان الحب كما ذكرت.. ذو ابعاد متميزة اكفل له الوجود المستقل. فانا احب القول بانه ما من وجود للحب مستقلا عن كونه انصهار بين المرأة والرجل، روحي وجسدي، الحب تكامل وليس تصالحا توفيقيا بين العاطفة والجنس، الحب لا ينفصل عن الجنس، والجنس تتويج لتلك الشرارة الروحية، والا فكل شيء تشوّه ومنقوص، وعندها دعونا نكتفي بحب عملتنا رحمهم الله “.

لا شك ان الرجل يتألق بالمرأة التي يحبها، والمرأة بالمثل، وهذه الثنائية الوجودية تتوحد في بوتقة الحب، وشاعرتنا لم تكتب سطرًا الا وكان الحب نسغه، ولم ترسم الا وكان الحب ساكنا لوحتها، هذا ما عبّرت عنه خلال رحلتها، امّا المساحة التي يحتلها الرجل فهي اناها بكليتها، اذًا، فمساحة الرجل اناها، كيانها، لكن هل هو الا ذاك الحلم الذي تجسده شعرا ورسما وحتى اللحظة تنتظره؟، الحب عندها هو شعرها ورسمها.

المرأة والنرجسية

المرأة مغناطيس حواس وغالبًا ما تكون نرجسية (تحب ذاتها).

 تؤكد الشاعرة مهى أن “صفة النرجسية صفة ملاصقة للفنان اكثر منها للمرأة، أنا احب نرجسيتي وادافع عنها، لأنها صفة جمالية بعكس الأنانية، ولأن الفنان انسان متميز ولأنه يعي ذاك التميز نجده يمارس نرجسيته لأنها دليل وعيه لتلك النعم السماوية التي خصه الله بها، اذًا هو يمارس صفاته الحسنى، ولا ضير في ذلك.

مساحة الطفولة وهاجس الموت

الطفولة السعيدة كالطفولة الشقية، كلاهما وشم في الوجدان والذاكرة، وكلاهما يعذب، انها الزمن الذي اضاء الكفين مرة ومضى. الزمن الذي هو براءة العقل وحكمة الجمال. بريق تلك الطفولة مورد في كل ما تفعل الشاعرة وتقول. لا تغادرها كما هي (أي الطفولة) لا تغادرها انها زمنها البراق الذي ينجب الشاعرة دوما من هوّة العمر، والتي تنعكس لونًا في اللون وبهاء في الكلام.

والشاعرة مهى بيرقدار تهجس بالموت كما تهجس بالحياة. الموت والحياة سر مغلق، الموت موجود ما دام العقل موجودًا، أي ما دامت الحياة، وتقول “لا يهمني ان كان بداية لولادة ام انعدام الوجود، الا يكفي اني افكر فيه كم هو موجود، لا تغريني العودة مرات حتى لو عدت على هيئة شجره مثقلة بالظلال والثمار”.

 تخيفها فكرة العدم، ترى هل بعد الموت فناء اعظم أم هناك الانبهار؟ انها لاتعرف، ولا تحب ان تعرف… فقط ، انها تعشق الجمال، تكتب، ترسم، تسمع موسيقى فردوسية وتتابع النسيان……

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *