وَشمٌ صَباحِيٌّ (46)

Views: 781

د. يوسف عيد

 

على صاجِ الشمسِ نَضُجَتْ خَبيزَةُ كلماتي  واستوَتْ.

ومن ماءِ النَّدى اللاهثِ صعوداً في هذا الصَّباحِ لِعناقِ أمّه،

شرِبَتْ حروفي الحياةَ،

وانبحَّ صوتُ الرّيحِ على أوراقِ نخيلي،

وصَرَّ  ضِلعُ الياسمينِ المُهَوشِلِ في حديقتي،

وارتجفَ خَشبُ الزيتونِ بين أصابعي مُناجياً المُبدعَ الأزليّ .

أعطيتُ نهدي للأرضِ قالت الزيتونة:

ليرضعَ الإنسانُ من صدرِ حُبوبي الزّيتَ،

ووهَبتُ فَمي لِحِقِّ البَخُور.

  يا بناتِ حديقتي،

سأعطي أحلاكنَّ فُستاني نادتِ الغاردينيا.

لكنّ الياسمينةَ لم تبالِ،

لأني أعرِفُ عنها أنّها تخرُجُ في الليل عاريةً،

حتى إذا رآها قَمَرُ تشرين،

نَشرَتْ شَعرَها حول جَسَدِها واختفَتْ خلفَ جُبِّ “اللاَّفَنْدِ “.

أيتها العرائسُ،

سأخلعُ لأحلاكنَّ خواتمي وعِقدي

نادت الزّهورُ المُشتَعِلةُ المتَّكيَةُ على ضِفافِ العُشب.

إذا رآني أحَدُ الزائرين،

سأختبئ خلفَ الفراشاتِ التي تعبُّ الماءَ من بعضِ الثُّقوب في تيجان النَّرجسِ،

وألتصقُ خِلسةً على صدرها المُرتَجفِ في بهاء النور.

يا بناتِ حديقتي وعرائِسِها سَأهِبُ أحلاكنَّ صِندَلي الأخضرَ قالت “التُّويَا”

وأشرُدُ بين عُمدانِ الصنوّبر حافيةً كي تمدَّ أصابعَها إلى لحمي.

تلك أُغنيتي، عندما تأتي حبيبتي،

فَيَنحَني لها الخَيزرانُ، ويَضمُّها بين ذراعَيه ،

ويُبرعِمُ الحَبَقُ والرَّنْدُ ، ويغمُرُ قلبي غِمارَ الورقِ،

وأدفنُ شَفَتيَّ في شَهقَةِ الوردِ ،

ويخضَرُّ صوتُ البلبلِ صديقي ومؤنسي ورفيقي .

ويدومُ المشهدُ حتّى المساءِ، حِينَها نَشْتَمُّ رائحةَ النُّجومِ المُحتَرِقَة.

يا لهذا الصَّاجِ المُتَوَهِّجِ الذي ينتظرُ في كلّ صَباحٍ أرغِفَةَ أرواحِنا، 

تذوبُ في حَمأتِه فَيتقدَّسُ الجَسدُ الفاني.

(صبَاح الأمَل)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *