اللغة علم

Views: 546

أيوب مرعي أبوزور

تغلغل بعض التعابير “الغريبة” في اللغة العربية بسبب الاختلاط والمجاورة عبر الزمن لا يعني أبدا أن ينبثق عن ذلك لغة جديدة، فاللغة العربية محيط كبير، واللغة (أي لغة) المتداولة هي لغة حية أي أنها في نمو دائم ومن طبيعتها امتصاص روافد تزيد غناها لكنها (الروافد) تذوب في المحيط الكبير، وبذلك تصبح منه.

إذا القول بأن ذوبان بعض المفردات والتعابير  (آرامية / سريانية/ كردية / تركية / أمازيغية / فرنسية / انكليزية / ايطالية / اسبانية / الخ…) على مر الزمن وخلال مراحل تاريخية في محيط اللغة العربية نتج عنه “لغات” جديدة في مناطق التغلغل (بلاد الشام / بلاد النيل / المغرب العربي) هو قول أقل ما يقال فيه أنه غير صائب (إذا لم ندخل في أبعاد مؤامرات سياسية وخلفيات فكرية انفصالية)، ومثال على ذلك لا يا يمكننا أن نقول بأن هناك (لغة لبنانية) أو (لغة مصرية) أو (لغة جزائرية)، وذلك يمكن تبينه بأبسط المقاييس، فاللغة تقوم على أبجدية منها تنطلق في ما يشبه اتفاق عام على معاني رموز معينة … ومثال على ذلك صورة العصا (ا) يقرأها كل من اللبناني والمصري والجزائري “ألف” .. وهذا رمز مسلم به من غير وجود سبب .. فليس هناك مدلول عليه غير صورته … وهكذا تبنى شجرة “الدال والمدلول” انطلاقا من أبجدية متفق عليها، وفي هذا السياق أريد أن ألقي الضوء على محاولة الشاعر اللبناني الراحل والفيلسوف سعيد عقل في محاولته لوضع أسس لفكرة إيجاد “لغة لبنانية” كان يسعى لابتداعها، لذلك أوجد أبجدية خاصة بها، الدال والمدلول فيها، وما ينتج عنهما، مستقل بذاته عن اللغة العربية، ولو كتب لهذه التجربة الحياة وعاشت “أبجدية سعيد عقل” لكن يمكننا الحديث عن ولادة “لغة لبنانية” لكنها ماتت في مهدها، وكانت محاولة فاشلة لم تلق القبول في المجتمع الكبير، بل كان تأثيرها محدودا جدا على فئات معينة، ما لبثت أن تخلت هي الأخرى عنها. 

فاللغة يا أحبيتي لها علومها التي تقوم عليها، وليست نظريات اعتباطية، والجامعات العالمية تدرس هذه العلوم لكل اللغات ((علوم اللغويات: ومنها: النحو، الصرف، الألسنية، والبنيوية، الخ…). لذلك من يطرح عليكم هكذا طروحات تستخف بعلم اللغويات، لمجرد اقتناعه بأراء بعض المنظرين من أصحاب الفكر السوسيولجي الانفصالي، وهو على غير دراية بهذه العلوم، يكون أشبه بـ “عطار” يصف عشبة (لا نعرف إن كانت ملوثة أو نظيفة) لوجع الرأس، لكنه لا يعلم شيئا عن فيزيولوجيا الجسم ولا يجيد التشخيص، مقابله من الجهة الأخرى يقف هناك الطبيب العام مثلا، ومن بعده الطبيب المختص بالجهاز العصبي.

فلكم الخيار في أن تستمعوا لوصفات عطار يصف أعشاب يظنها عجائبية في هذا الزمن الذي تلوث بكم كبير من الأقاويل الباطلة، وبين أن تستمعوا لتشخيص طبيب قضى نصف عمره يدرس ويتعلم ليجد المادة المناسبة التي تشفي من “وجع الرأس” ويصفها لك في كبسولات معقمة وبمقادير دقيقة.

هذا زمن العلم أحبتي، طالبوهم بأن يخاطبوا عقولكم ويحاججوكم ويمنحوكم إثباتات على أقوالهم مدعمة بعلوم متفق عليها اكاديميا، وإلا انصحوهم بأن يقفوا قبالة شجرة يابسة ويطرحوا عليها هلوساتهم.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *