هل تعاطي الفايسبوك تجربةٌ ينبغي خوضُ غمارها!؟

Views: 281

د. مصطفى الحلوة

السيّد إبراهيم الزعبي، الطرابلسي المغترب في أستراليا منذ العام 1971، ونزيل سيدنى، يستعرض تجربته الفايسبوكيّة، التي ترقى إلى سنوات عشر، فكتب على صفحته(الفايسبوك: 21/1/2023) نصًّا رائيًا، نُوردُه بتصرّف: “الفايسبوك، خلال عشر سنوات على الأقلّ من المتابعة والتدقيق، فتح لي أبوابًا معرفيّة واسعة، كانت مُغلقة أمامي تمامًا. تعلّمتُ منه الكثير، وتكشّفت بسببه حقائقُ كنتُ أجهلها ولا أعرف عنها شيئًا. رجالٌ كبروا في عيني، بعد أن سبرتُ أغوارَ عقولهم، عن طريق ما يكتبون، فوجدتهم عمالقة، لديهم فكرٌ واعٍ وعقلٌ مستنير، وأشخاصٌ سقطوا إلى الحضيض، كنتُ أظنّهم أعمقَ فكرًا وأكثرَ فهمًا، فإذا بهم أقصرُ من الأقزام (..) تعرّفتُ إلى أشخاص جُدُد، فازددتُ بهم شرفًا، وإلى آخرين زادوني همًّا وقرفًا”..ويخلص السيد الزعبي، مُقيّمًا، بشكل إيجابي، تجربته: “الفايسبوك تجربة رائعة، لا بدّ من خوض غمارها، لأنها تُضفي على الحياة لذّة حلوة، وعلى العمر نكهةً لها طعمٌ مختلف. هذا رأيي أنا، ولكلٍّ رأيُه، ولله في خَلْقه شؤون”.

في مقاربتنا تجربة كاتب النصّ تستوقفنا عدة نقاط، أبرزُها: أنّ مسيرته الفايسبوكية لها حسناتُها التي تُربي على سيّئاتها، إذْ شرّعت أمامه أبوابَ المعرفة، فأفاد منها الكثير. وقد تكشّفت له حقائق، لم تكن متوفّرة لديه. وعن الفسابكة، فقد وجد بينهم عمالقة، من ذوي العقول الراجحة، كما وجد بالمقابل من هم في الدَرْك الأسفل، وقد كان يخالهم أعمق فكرًا ! وعن التجربة الفايسبوكية، فهو ينصح للآخرين بخوض غمارها، وذلك من منطلق النجاح، الذي حقّقه، عبر هذه التجربة.

..إذ نشاركُ الأستاذ إبراهيم الزعبي ما ذهب إليه، فمن منطلق انخراطنا في عالم الفايسبوك، منذ عدة سنوات، واتخاذه منصّة لتجلّياتنا الفكرية وحراكنا في المجال الثقافي. هكذا كانت لنا جولاتٌ وصولاتٌ في هذا العالم الفايسبوكي، والتي ستنجلي عن كتاب، سيخرج من رَحِمِه في الآتي من الشهور، تحت عنوان:”مِن بيادر الفسابكة/ قراءةٌ نقديّة في قضيّة”. علمًا أنّ المقالة، التي بين يدينا، ستعرف طريقها إلى الكتاب المذكور. هذاالكتاب العتيد، عبر كلّ مقالة من مقالاته، يُكبُّ على نصّ لواحد من الفايسبوكيين، فتكون مقاربة له هادفة، تنطلق إلى ما وراء النصّ.

هكذا بات تعاطي الفايسبوك جزءًا من حراكنا، الذي يأخذنا إلى عالَم، يترجّح بين الحقيقي والافتراضي. وكونهُ كذلك، فهو عالمٌ لمتناقضات أو مفارقات، كما سفينة نوح “فيه من كلّ زوج إثنان”!..فيه ما تشتهي النفس وما تنفرُ منه في آن، فيه ما يفتح الشهيّة وما يُقزّزها، ما يُفرح وما يُحزن، ما يُضحك وما يُبكي، ما يُروّح عن النفس وما يُضجر، ما هو جادّ وما يُثير الهزء والسخرية، وإلى آخر السلسلة من المتضادات التي لا يتسع لها هذا المقام.

تأسيسًا، على هذا الواقع الفايسبوكي، كان لكثيرين من زملائي أن يُعرضوا عن تعاطي الفايسبوك، بذريعة احتفاله  بالتفاهات والإسفاف. وإذْ نشاركهم الرأي، على هذا الصعيد، فإنّنا، من مقلب آخر، نلفتُ إلى الوجه النَضِر للفايسبوك، حيث نقع على كتابات جادّة، فيها عظيمُ فائدة وإمتاع.

هكذا فإنّ الفايسبوك، كما كلّ شيء في الحياة، يتجاور، في فضائه، الغثّ والسمين. ولعلّ ذلك من ضروريات الوجود، القائم على الجدل الخلّاق، إذْ “لا يُستبانُ النقيضُ إلّا بالنقيض”، على حدّ ما نذهب إليه، نحن المشتغلين بالفلسفة! ..ومن قال إنّنا نتعلّم من الكتابات الإيجابية فقط؟ فبعض الكتابات المبتذلة قد تكون أكثر تحريضًا لنا على سلوك سبيل القِيَم، قِيَم الحقّ والخير والجمال!..ويبقى الفايسبوك خيرَ معلّم لمن يُحسنُ تخيُّر ما لدى هذه الوسيلة  التواصلية الاجتماعية من عظيم الدروس والعِبر!

***

*(من بيادر الفسابكة/قراءة نقديّة في قضيّة)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *