الشاعر جوزف صايغ… عودة أخيرة إلى ثرى زحله

Views: 771

سليمان بختي

يوم السبت 7 آب يعود جثمان الشاعر جوزف صايغ (1928-2020) من فرنسا إلى ثرى زحلة. يعود، وكان كل صيف يعود يشحل الأشجار ويسرح شعر السنابل ويروي الأرض. يقطف أكواز التين وعناقيد العنب. تستيقظ في ذاته أحلام القصائد والكتب والأصدقاء والمطارح. قالت لي زوجته مارغريت “إن جوزف في زحله لا يشبه أبدا جوزف في باريس. كأنه يذوب في طبيعتها”.

خمسون سنة وأكثر في باريس ولم يطلب الجنسية الفرنسية. وعندما سألته على المنبر: ماذا يربطك بعد بلبنان. أجاب:” زحله وقبر أمي وشبابي”. أذكر حديثه في نهاية الصيف التي تشبه نهاية المشوار أنه حين يغلق  باب بيته في حارة الراسية في زحله يسمع أصوات أمه وأبيه وجدران البيت تصرخ:”لوين”، ويمضي ولا يلوي. أوصى جوزف صايغ أن ينقل جثمانه أو رفاته إلى زحله لا لتنتهي رحلة الجسد على الأرض من المكان الذي انطلق منه بل لتبدأ رحلة جديدة ولكن بحضور الروح والقصائد وحضور الحب.  

 

أعطى جوزف صايغ جذوة القلب والروح إلى بلاده، إلى ما سماه الوطن المستحيل. وها هي الأحلام المستحيلة تشيعك باكية إلى المثوى. ربوع زحله. حديقة الشعراء. وادي العرائس.الكلية الشرقية. والمشاريع التي أردتها لزحله ولبلدك، وما تحقق فيها وما لم.

شوقه إلى زحله لبث يسكنه. كتب “زحله القصيدة” (1962) وكتب غير مرة:” إغتربنا ولم نفارق كأنا/إغتربنا عنها ولكن إليها”.  الإنسان حنينه. وهذا الحنين يحيا دائما ولا يعرف الموت. يصير العود الأبدي إلى قرانا المعلقة بين الأرض والسماء. كان لا بد من العودة وحيثما كان كانت زحله معه. 

ها هو يعود إلى ترابها ليقول:” أنا زحله حبي حيثما/ كانت أو تكن كان الوجود”. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *