أين اختفى ابراهيم سلامة  وله دَين كبير في ذمتنا؟

Views: 1267

سليمان بختي

اين اختفى ابراهيم سلامة الكاتب والصحفي اللامع والساخر؟.

اين أصبحت أراضيه؟

للرجل دين في ذمتنا وما منحتنا الايام فرصة ربما تأخر ربما تأخرنا.

كنت التقيه في شارع الحمرا  والمح في عينيه نطرة سادرة تخاف من الاتي. ومعه حق. 

منذ فترة كتب الصديق الدكتور ربيعة ابي فاضل على مدونته انه” التقاه عام 2021 في مقهى في الحمرا ولاحظ تشتتا في تركيزه. ويرجح أن حال النشاف قد تفاقمت عنده ولم يذهب إلى فرنسا  وانه لجأ إلى بيت للراحة. ولا احد يعلم هل هو حي… “لان صحافيا خرج من نابيه فملأ الدنيا وشغل الناس من انطلياس الى موسكو الى بكين وباريس الى الدنيا…لا تبتلعه الهوامش.”

ابراهيم سلامه من مواليد نابيه  المتن .

كاتب وصحافي من طراز  رفيع.

كان ركنا أساسيا ومؤسسا في “الأنوار” و”الدستور “و”الجريدة” و”الحوادث” الذي قال له ناشرها سليم اللوزي “اكتب على ذوقك بس اكتب”.

ثم لمحطة قصيرة في “الحياة” ثم الى مجلة “المستقبل” الباريسية.

له صوته المميز ولسانه السليط وروحه الخفيفة وسباحته الدائمة  عكس التيار.

سعى  بقوة لان يكون حرا وله استقلاليته.

لم يأنف الصالونات ولا اصحاب الشان ولا الحاشية ولا البلاط ولا السلاطين ولا الأجهزة ولا التكسب ولا الارتزاق.

رجل حر يكتب على رسله.

ذات فترة تصدر سلامة قائمة الكتاب الساخرين  وأصاب عموده شهرة في لبنان والعالم العربي. 

لم يصنع ثروة ولا تملك فيللا.

عمل كثيرا ولبث طفرانا.

لم يستسلم بل استخدم كل فنونه  الكتابية من الشعر الى المسرح الى الدراسة السياسية  والمقالة النقدية.

كتب عنه صديقه الراحل طلال سلمان.:”كان نموذجا لجيله لم تتسع له طائفة ولا منطقة ولا ايديولوجية. جال ابراهيم سلامةبين القوميين فحسبوه شيوعيا وبين الشيوعيين فاعتبروه منحرفا  ورفضه مسيحيو الكتائب لانهم رأوا فيه خوارجيا ملتحقا بالمسلمين والملاحدة”.

اما بول شاوول فقد اعتبره “الكاتب الذهبي الزمن الذهبي لبيروت”. 

 

كتب في الشعر “قصائد  من خشب” فداعبه الكبير يوسف الخال” لشاعر من تنك”.. وكتب فيه  :”كل الأبواب موصدة/حتى باب الكنيسة/  ردوه في وجهي/ فاين ابيت هذه الليلة/ومغارة بيت لحم/احتلها المراؤون  والفريسيون /.

وفي قصيدة “عميل “أهداها الى طقم لا بأس به من رجال السياسة عندنا. وهناك قصيدة “وطني لا يعرفني”، ويقول:”انا تيس مثقف … صاحب الجلالة ترامواي بيروت”.

كتب “جنازة كلب” 1962  وقال:”ليس هذا الكتاب جنارة كلب بل جنارة الانسان في زمن عز فيه الكلب على الانسان”.

 

ثم اصدر كتاب “الله بالخير” وحقق نجاحا.. والحقه بكتاب “دموع التماسيح” واعتبره الجزء الثاني من” الله بالخير”، وقدم له الشاعر طلال حيدر واصفا اياه بالسفاح.

وكتب ابراهيم سلامة في التقديم التوضيح؛”. قد أكون آخر مسيحي يكتب باللغة العربية من أهالي المتن الشمالي. ما هم. فأنا كفخار بيت شباب  لم ولن انسحب امام جماعة النايلون والتامرك وما يلي ذلك من صحون فارغة وطناجر مهترئة وهمبرغر وبيبسي وغير ذلك  من زمن تفاهات اللون الواحد والانسان المعلب”.

ولكن ماذا وراء هذه السخرية السوداء سوى دموع تنهمر وقسوة لا تشبه الا الحنان؟

من اخرج ابر اهيم سلامة من  دوره؟

أهي الصحافة المرتهنة ام الطائفية ام إرهاب الاخرين وتخوينهم؟

برأيي دفع ابراهيم سلامة ثمن تحرره واستقلاليته وبقي متمردا وثائرا ولو على مساحة صغيرة بالكاد يقف عليها.

ولكن ماذا أصابه؟.

يقول صديقه الصحافي باسم المعلم الذي رافقه في باريس:”انه المرض الوهمي او الفعلي . مرض السوداوية”.

في اخر مشهد له في الحمرا انه تصادم مع مدير مقهى الكوستا  نتيجة نوبة عصبية بحسب اعتدال شومان وقال له. “شو فيك تعمل معي. شو بتقوصني براسي. قوصني”.

 

اما اخر كتبه فكان “غدا  ندخل المدينة”،  لكنه  لم يدخل  بل خرج مثل الشعرة من العجين ولم يلمحه احد.

من يرشدنا إليه؟

من يعرف مكانه ؟

ربما هو هناك  في زاوية ما من هذا العالم يضحك علينا ملء قلبه وعينيه.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *