هو الوطن

Views: 412

د. جان توما

 

ارْسُمِ البلدَ الذي تريدُ وأقمْ فيه. هاتِ روابيَهُ من ريشةِ لوحةِ خيالِكَ، وتلالَه من بؤبؤ عينّي ولدِكَ. إنّه الزّمنُ الصعبُ؛ تهزُّ لولدِكَ لينامَ في مهدِهِ، وعينُكَ على حقيبة منسيّة على ظهر خزانة غرفة النوم. هذه حقيبة عفا عليها الزّمن، وزادَهَا غبارُ الأيامِ عتاقةً، فلمَ تعاودُ التنفّسَ الآنَ، في زمنٍ لا لقمةَ فيه تسدُّ جوعًا، لا  دواءَ، ولا  طاقةً، ولا استشفاء؟!

كنتَ تَغْسِلُ عينَيْكَ بمياهِ ينبوعِ الضيعةِ، فيما تتهادى جِرارُ الماءِ على أكتافِ الصبايا، وَتَغْزُلُ النسائمُ شالَ أحلامٍ بين أغصانِ السنديانٍ والصنوبرِ والشربين. مَنْ جَفّفَ عينَ العينِ؟ مَنْ كسر جرار الحلم؟ من رمى اليأس في قلوب الحسناوات؟ ومن كرَّ خيط صوف شال الأحلام؟ ومن خلّعَ أغصان الشجر، وهجّرَ العصافير، وهدمَ أعشاشها؟!

كلُّهُم يبحثون عن وطن بديل، عن حقيبة سفر، عن رحيل آمن. تلاشت أحلام الشباب في مستقبل سالم مسالم. كيف استطاعوا كيف، في سنتين، أن يسقطوا كلّ شيء؟ ما أبقوا حجرًا على حجر. باعوا التراب والجبل والشاطىء وليالي السهر وصباحات السكينة، ورموك هكذا بين أفواه جائعة متوحّشة فلم يبق لك مال ولا قوت، في تشابه بين الآمال والقوة. سقطَتْ بالضربة القاضية أحزمةُ الأمان وانتصبَتْ أمامك أحزمةٌ اقتصاديّة جاهزة للانفجار على حدود الشتات والغربة والوجع والأنين.

من الصعب أن ترسمَ لوحةً  لمدى من جبالٍ وروابٍ بلا بيوتٍ وناس ، ماذا ينتفع الوطن إذا ربح الطبيعة وخسر  إنسانه؟

***

(*) اللوحة للفنان حبيب ياغي

‏Nature magic oil 80 x 80

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *