ورشة تفكير ونقاش “في خطاب الكراهية وآليات مناهضته”

Views: 727

إعداد د. مصطفى الحلوة

 

نظّم “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية” ، بالتعاون مع “مركز عكار للدراسات والتنمية المستدامة ” ، ومؤسسة “Hanns Seidel الألمانية ، ورشة تفكير ونقاش ، بعنوان :”في خطاب الكراهية وآليات مناهضة” ، وذلك في بينو – عكار (أوتيل الصيّاد)، على مدى يَومَي  13و14 آب 2021 .

في الجلسة الافتتاحية ، تعاقب على الكلام كلّ من د. أدونيس العكره، رئيس “مركز تموز” ، والسيد طوني غريّب ، مندوب “هانز زايدل” في لبنان ، ود. مصطفى الحلوة ، رئيس ” مركز عكار” ومنسق الورشة.

 أعقبت الجلسة الافتتاحية ستُّ جلسات ، قاربت العناوين الآتية : دور الأديان ومرجعياتها الكبرى في مواجهة خطاب الكراهية / خطاب الكراهية: المفهوم القانوني والمسار التاريخي / في جدل خطاب الكراهية وانتهاج التطرّف والعنف / التربية على المواطنية لمناهضة خطاب الكراهية/ مقاربة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي خطاب الكراهية / دور المجتمع المدني والمنظمات الدولية في مناهضة خطاب الكراهية.

على رُغم الظروف الاستثنائية وصعوبة التنقل ، فقد تميّزت الورشة بحضور وازن ، تقدّمه سماحة مفتي محافظة عكار الشيخ زيد بكّار زكريا، وسيادة مطران طائفة الروم الملكيين في طرابلس وعموم الشمال إدوار ضاهر ، والنائب السابق نضال طعمة . علماً أن ثلاثتهم في عِداد المحاضرين . ناهيك عن مشاركة رؤساء بلديات وجمعيات مدنية وأساتذة جامعيين وطلاب جامعات ومهتمّين .

 وقد كان حوارٌ تفاعلي ، أفضى إلى البيان الختامي ، الذي تضمّن المحاور الآتية :

 أولاً : في مقاربة الموضوع وبعض المحدّدات

1- إن ما نستهدفه في ورشتنا ، هو خطاب الكراهية ، من خلال الفضاء المجتمعي الواسع ، المؤسّس على خلفيات دينية أو عرقية أو قومية أو لغوية ،  وليس من المنظور الضيّق ، أي الفردي العلائقي .

2- كون هذا الخطاب ، من أكثر القضايا خطورةً على السلم الأهلي المجتمعي للدول ، كما على صعيد السلم العالمي ، فهو يحتاج من الباحث الوقوف في منطقة هادئة باردة ، بُغية مقاربتِهِ بحيادٍ منهجي، وفق تعبير “ماكس فيبر” . ناهيك عن تحديد المفاهيم ، إذْ أن تحديدها مقدمة ضرورية لمعالجة الموضوع معالجة جادّة .

3- في تجريم هذا الخطاب ، لا بدّ من إضفاء المزيد من الوضوح على المعايير القانونية ، بين حرية الرأي والتعبير من جهة ، وبين التحريض على الكراهية والتطرّف من جهة أخرى .

4- السؤال الأكثر حضورًا ، في مقاربة خطاب الكراهية ، يأخذنا إلى الأصول المرجعية الجينالوجيّة المؤسِّسة له . أي كيفية استمداد هذا الخطاب متنه ومرجعيته من التراث ، أصالةً وبيانًا . بل يضعنا بالضرورة أمام أطروحة العصبية ، بصيغتها “الخلدونية” ، أي جدل العصبية / الكراهية ، بحيث يبدو هذا الخطاب نتيجة للعصبية ، في بعض تجلّياتها وأعراضها .

 ثانياً : في تاريخية خطاب الكراهية ، مساراً ، وفي التعريف به

1- خطاب الكراهية خطابٌ طاعنٌ في زمن البشرية ، لم يغب عن مسرحها ، طوال العصور . وهو ما فتئ يُشكّل راهناً إحدى أبرز الإشكاليات ، التي يُعاني منها الكثير من دول العالم .

2- هو خطاب تدميري ، مولِّدٌ مختلف أشكال العنف ، بدفعِهِ إلى انتهاج سبيل التطرّف والإرهاب تجاه الآخر المغاير . وفي حال استفحاله ، فهو مفضٍ إلى حروب دامية ، أخطرها الإحترابات الأهلية .

3- شكّل هذا الخطاب عاملاً أساسياً في مواجهات مستمرة بين أمم وشعوب وحضارات ، اتّسم بعضها بصراعات دموية ، خلّفت مؤثّرات سلبية ، على مدى قرون ، وجروحًا لمّا يندمِلْ بعضها حتى تاريخه .

4- خطاب الكراهية ، وفق منظمة اليونسكو (2010) ، هو مفهوم خلافي جدلي، يشمل كل أشكال التعبير ، التي تنشئ الكراهية .

تفصيلاً ، فهو يستوعب مختلف التعبيرات ، بمعزل عن شكلها ، إذْ العبرة في الرسائل التي تبعث بها (قولاً أو كتابةً  ، أو إشارة أو إيماءة، أو رسماً أو صورة ، أو فيلمًا سينمائيًا أو شريطًا مسجّلاً إلخ… ) .

 ثالثاً : خطاب الكراهية / رؤى ومشهديات

1- تتفشّى ظاهرة الكراهية وخطابها ، في كثير من بلدان العالم ، لا سيما التي تضمّ أقليات دينية أو عرقية أو قومية ، حيث تتعرّض هذه الأقليات إلى حرمانٍ وقهرٍ ، على صعيد الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية .

2- يتنامى خطاب الكراهية في العالم العربي الإسلامي ، على إيقاع توسُّع حضور المنظمات المتطرّفة دينيًا ، الخارجة عن سُكّة تعاليم الدين الإسلامي الحنيف .

3- خطاب الكراهية هو نتاج شروط موضوعية ، أفرزتها عوامل تاريخية . وهو ليس وقفًا على بعض الحركات الإسلامية ، لا سيما الجهادية . فالجماعات الأصولية البوذية تستحضر التراث البوذي . وكذا الأمر بما يخصّ المسيحية المتصهينة ، واليهودية والهندوسية ، وحتى الجماعات اليسارية العنفية لديها مرجع تتكئ عليه لتبرير هذا الخطاب .

4-  يغدو خطر خطاب الكراهية كبيرًا ، عندما يتحوّل إلى سلطة ، بحسب الفيلسوف الفرنسي ” ميشيل فوكو” . بل يغدو فعلاً عدوانيًا نابعًا من أحقادٍ ، تكبح أي فرصة للحوار .

5- الخطورة ، في هذا الخطاب ، ناتجةٌ من أدلجتِهِ ، ذلك أن الإيديولوجيا مُطلقًا هي منظومة فكرية مغلقة ونهائية . من هنا وجوب التمييز بين الكراهية ، كفعل فردي ، وبين الكراهية التي تقف وراءها إيديولوجيا تبرّرها . على أن ما يرفع من منسوب خطورة الخطاب استحالته نزعةً عدوانية رعاعية ، تنجلي عن مخزونٍ كبير من السادية والتدمير .

6- الكراهية ، التي تشرعنها الإيديولوجيا ، المستندة على المقدّس ، أو على القيم السامية ، بهدف تزييف وعي الجمهور، هي الأشدّ خطورة .

7- المعاهدات والقوانين الدولية والشُرع العالمية تتضمّن دعواتٍ لتجريم خطاب الكراهية والرسائل التحريضية ، وأبرزها : “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “(1948) ، الذي يضمن حرية التفكير والدين والضمير ، وحرية التعبير ، ووجوب الاعتراف بحقوق الغير واحترامها / “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ” (1966) ، لا سيما المادة 20 منه /”الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري “(1969) ، لا سيما المادة 4 منها / ” مبادئ كامدن” ، (المادة19) التي تنص على وجوب أن تتبنّى جميع الدول تشريعاً يمنع أي دعوة للكراهية ” ، على أساس قومي أو عرقي أو ديني .

8- الحوار البنّاء بين المسيحية والإسلام ، على مستوى مرجعيات عالمية ، يؤسّس للتسامح في مواجهة الكراهية ، وللتسوية في مواجهة العنف ، ولتقبّل الفكرة القائمة على أن امتلاك الحقيقة ليس حكرًا على جماعة دون أخرى .

9- استكمالاً ، في هذا المجال ، فإن إبرام ” وثيقة لقاء الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك ” (4 شباط 2019) بين قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس وفضيلة شيخ الأزهر الشريف د. أحمد الطيّب ، شكّلت الحدث العالمي الأكثر أهمية ، في مسار الحور الإسلامي المسيحي .

10- “وثيقة الأخوة الإنسانية ” ، شدّدت على جملة من المبادئ والتوجّهات ، أبرزها : بناء هويات منفتحة تضاد الانغلاق على الذات والنزوعات التعصبية / تكريس أسلوب حياة جديد في أُسرِنا ، في مؤسساتنا السياسية والمدنية والدينية ، يقوم على نبذ العنف واحترام كرامة الإنسان / ترسيخ مفهوم المواطنة والتخلّي عن الاستخدام الإقصائي لمصطلح الأقليات / دور المؤسسة التربوية التعليمية ومؤسسة القضاء في تحقيق السلم العالمي / تحميل قادة العالم جزءًا من معاناة البشرية وصراعاتها/ الإرهاب ليس نتاجًا للدين ، بل ناتجٌ عن تراكمات الفهم الخاطئ للنصوص الدينية / أي نوع من أنواع العنف ، الذي يشكل تهديدًا للحياة ، هو خروج عن تقاليد الأديان وانتهاك للقوانين والقيم الانسانية .

11- المؤسّسة التعليمية ، في المنطقة العربية وفي لبنان ، بمناهجها التي لا تُكوِّن الفرد على المواطنية الحقّة ، هي في أساس إنتاج الأنظمة السياسية وإعادة انتاجها ، التي تترجّح بين أنظمة طوائفية وأنظمة استبدادية متخلّفة .

12- إن موقفنا من الآخر لا نكتسبها من خبرتنا الشخصية ، في غالب الأحيان ، بل من السياق المجتمعي ، الذي يقدّم صورة مسبقة ونمطية عن هذا الآخر المختلف ، وهذا ذروة التضليل المعرفي .

13- إذا كان خطاب المواطنة حاضرًا في رؤى مؤسساتنا التربوية، فإن حضوره يُقتصر على الجانب النظري ، ولا يتعدّى إلى الجانب الميداني العملاني ، أي تسليك هذا الخطاب ممارسات يومية .

14- بما يخصّنا ، كلبنانيين ، فإن الشراكة المبنية على الانتماء الديني والطائفي ، ومن ثم التعهّد بالاستقلال عن الخارج (لا شرق ولا غرب) شكّلا صاعقي تفجير ، منذ قيام لبنان الكبير وعلى امتداد الفترات اللاحقة . وقد بقيت الطائفة وحدة الاهتمام في الدستور ، وليس الفرد ، باعتباره مواطنًا أو مشروع مواطن .

15- إبّان الحرب اللبنانية (1975 – 1976) لم يوفّر المتقاتلون وسيلةً إلا استعملوها للتدليل على مدى الكراهية والحقد ، والوحشية التي تجسّدت في تعامل اللبنانيين مع بعضهم بعضاً ، وفي تعاملهم مع الفلطسنيين والسوريين .

 رابعاً: في المقترحات والتوصيات

1- ضرورة الاعتراف ، بداءةً ، بوجود ظاهرة الكراهية وثقافتها ، بما يُشرِّع الأبواب للتعامل معها ، باعتبارها حالة قائمة ، تحتاج إلى جهود الجميع لمعالجتها ، بدلاً من إنكارها أو التعامي عنها .

2- مناهضة خطاب الكراهية ، بكل أشكاله وتمظهراته ، كجزء من معركة إنسانية واسعة ، ضد العنصرية وكراهية الآخر المختلف .

3- التأسيس لوعي تواصلي ، يُؤمن بالرأي والرأي الآخر ، وذلك عبر تحرير الفرد ، من كل أنواع السياقات المغلقة ، وأبرزها التعصّب. 

4- رفع منسوب الوعي في السيكولوجيا الجمعية ، فيكون تبصير بالمخاطر الوجودية ، التي يخلّفها خطاب الكراهية ، على صعيد المجتمعات الصغرى والمجتمع البشري .

5- يجب البدء بتعزيز ثقافة السؤال ، في وجه من يمتلك إيديولوجيا يقينية دغمائية ، بما يُحوّل النسق الإيديولوجي إلى أسئلة مفتوحة لا حدود لها . فالسؤال ، بما هو عنف رمزي ، يُجهز على السياجات الدغمائية المكبّلة ايديولوجيًا ، داخل الثقافات.

6- ثقافة القطيع تكاد تشكّل التحدي الأكبر الذي ينبغي كسرُهُ ، إذ أن من يقبل نفسه في نطاق قطيع العائلة أو المنطقة أو الطائفة أو الحزب ، كيف له أن يتقبّل بسهولة الفكر المواطني ؟ وكيف يمكنه ألا يضمر الكره للآخر ، الذي يصورونه ، تارةً عدوًا وطورًا وحشًا ؟

7-العمل على التنشئة الاجتماعية السلمية ، والتضامن على المستوى الوطني والاقتصادي ، والحثّ على وحدة العائلة الإنسانية ، والاقتراب من المشترك ، كالقيم العليا بين الإسلام والمسيحية ، بما هما دينا رحمة ومحبة .

8- إلى جانب مواطنة عالمية ، تتم بلورتُها على قاعدة تشريع قانوني، يستلهم القانون الدولي العام وسائر الشرع والإعلانات العالمية ، لا بد، في خضم ثورة الاتصالات وانفجار المعلومات ، من إيلاء المواطنة الرقمية أهمية خاصة ، بما يوفّر العبور إلى “شرعة المواطنية العالمية لمناهضة خطاب الكراهية ” .

9- بما يخصّ لبنان ، التشديد على المقترحات الآتية :

– تعديل المناهج التربوية ، خارج الرؤى السائدة التي عُمِل على أساسها ، منذ الاستقلال حتى اليوم . وألف باء  المسألة الارتكاز على فلسفة تربوية معينة .

– إطّراح النهج التحاصصي الطائفي والمذهبي المُعيب ، بما يعود إلى محتوى بعض المواد ، مما يُغلِّب أحياناً البعد الانتمائي على النوعية .

– تطوير البيئة المدرسية ، عبر تنظيم دورات للهيئة التعليمية ، حيث يكون تدريب على نشر ثقافة حقوق الإنسان ، وتوسُّل الخطاب الذي يدعو إلى التسامح وسائر القيم التي تناهض خطاب الكراهية .

– ربط القيم الأخلاقية بمختلف مواد التدريس ، والتركيز على أولوية السلوك الأخلاقي السليم .

– اعتماد المرونة في التعليم الديني ، من منطلق محبة الآخر . وفي هذا المجال يمكن اعتماد المنهج المقارن بين الأديان ، والتشديد على أن الاختلاف لا يعني الخلاف . وعلى أن يتمّ الابتعاد عن أي شكل من أشكال التبشير ، أو دعوة الآخر دينيًا لتغيير اقتناعاته .

– تجريم الخطابات الإعلامية ، وما تعجّ به منصّات التواصل الاجتماعي ، التي تحضّ على الكراهية والشقاق وتسعير الأحقاد بين مكوّنات الاجتماع اللبناني .

10- الانزياح ، بكل ما سبق استعراضُه ، من نظريات وتوجهات ، من الإطار النخبوي والتنظيري ، فتوضع هذه النظريات والتوجهات بين يديّ الجمهور الواسع  ، مما يُكسبها صُدقيةً وفعاليةً .

11- كان تنويهٌ بشهادة حياة ، حول “مركز تموز” التي قدّمها د. أدونيس العكره ، إذ شدّد في شهادته على أن المركز بُني على أساس فكرة تنوّع تكويني ، منطلقاً من اقتناعات ، أبرزها : الاختلاف هو الطريق المستقيم / في خطاب الكراهية الجميع خاسرون .

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *