يا بحر

Views: 572

د. جان توما

 

إنْ لم تركبِ البحرَ صِرْهُ، وإن لم تصعدِ الزورَقَ  كُنْهُ. هو البحرُ ، يَخرجُ الناسُ إليه كعودةِ إلى الرحم الذي راح، واتصالٍ بحبل السرّة الذي انقطع. ترسمُ الألوانُ يمًّا يتهادى على موجه” نور” من خشب. الخشب يطفو ولا يدخل الاعماق، لكنه بنورٍ يخترقُ الحُجُبَ بحثًا عن الحقيقة.

ماذا لو حكى مسرى الماء عن الذين مرّوا من هنا، نزلوا على الشاطىء مع همومهم وانتشروا في طرابلس والشمال ولبنان؟ ماذا لو حكى عن الذين أخذوا المراكبَ والسفنَ ومضوا، من غير رجعة، إلى شواطىء سحرتهم رمالُها الساخنة فارتاحوا إليها بديلًا عن رمال بلدهم المُحْرِقَة المتحرّكة.؟!.

من خربطَ إيقاعَ المدّ والجزر في بحور أعمارنا؟ من منع الزوارقَ أن تلهوَ كالأطفال بزبد البحر؟ ومن لملمَ الصدف والإسفنج عن الشاطىء البحري ومحا أسماءَ العشاق عن رمله؟! إن صرتّ بحرًا تُفَتِّتُ بعنادِك صخورَ الشطّ، وتجوّفُ أحشاءَ أرصفةِ اليابسة فتنهار.

وحدكَ تصيرُ عشيرَ جنونِ العواصفِ وقوّةِ الرياح، فارفع صفيرَ سُفُنِكَ، زدْ قرعَ الطبول، أرحْ المجاذيفَ وأطلق البحارة في أحياء المدينةِ القديمةِ يروون حكايا الليالي البحريّة التي لا تنتهي، فإنْ أنشدوا المواويلَ فيما يرقّعونَ شباكَهم، تتنفّسُ الزوارقُ من جديد، وتتوهّجُ كحبّاتِ العنبِ في شمسِ آب، إذ ذاك يحلو ملحُ البحرِ مع كسرةِ خبزٍ وحبّة زيتونٍ وحبّة توتياء ….ليحيا الناس.

***

(*) اللوحة للمهندس الفنان زياد غالب.

‏MINA collection.

‏Acrylic on canvas.

‏100×100cm.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *