د أخضر

Views: 12

د. جان توما

كانت أرضه ملعبه ومساحة عمره. زرع توتها، وخوخها وتفاحها وإجاصّها، ولم يقصّر في دلالها والغناء لها كلّ صباح. كان الثّمر يقوم كلّما قام إلى ذاك التلّ الجبليّ، يمرر كفّيه على ملمحها الزّراعيّ، يحادث البذار ويطمرها تحت التراب منتظرًا قيامها من بين الشقوق، كالطالع من بهاء النور.

لم يعرف عدد الفصول، بل كان يعرف عدد شجيراته ،وحبّات توته، وصفوف تينه والعناقيد ثريّات الذهب وغيرها. كان يعرف أنّها تستجيب لعرق جبينه وأن هذه الأرض المباركة تغرف كالعصافير حبّات حنطة من بين كفّيه بفرح.

لم يبخل على التراب الجبليّ ولم تمنع هي عنه خيراتها إذ تشيل زوجته ماء الزهر، والعصير الطيّب وتوابعهما. وكانت خزائن الشتاء في بيته تحتضن المربّيات وأنواع الخضار على تنوّعها، ولكن، ولو حبسه المطر والرّيح والثّلج في بيته على السّاحل، إلّا أنّ قلبه كان فوق، يتدحرج بين الجلول كالأطفال، يعمّر قصورًا من أعواد كروم العنب التي كانت لا تنضج عناقيدها إلّا في تشرين بسبب برودة الجبل.عاش أيامه فقيرًا إلى الأرض التي أعطته بسخاء، لكنّه ظلّ فقيرًا إلى ترابها وأثلامها وطيّباتها. (https://spellpundit.com/)

إن مررتَ اليوم أمام تلك الأرض التي كانت لذاك الفقير وزوجته، تذكّر خيراتها وقد باتت جرداء، وأذكر عرقه السّاقي خيرات التّراب، وقُلْ: تبقى الأرض ترابًا، لكنّ الرب يغنيها، وسواعد المؤمنين تحيلها مساحة غنّاء وخيرات وعطاء.

راح العود الأخضر،  وراحتِ المواسم. ضاعتِ الفصول على الدّروب العتيقة. انتصبت الفزّاعات وانتشرت في الأراضي لإثارة الفزع وهروب الطيور. منذ راح فلاح بلادي، ذاك الفقير إلى الأرض، خرجت الفزّاعات إلى مساحات الوطن ولم تعد .

***

(*) اللوحة للفنان حبيب ياغي

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *