قراءة في ديوان “ما بعد الحب” للدكتور نزار دندش… أشعار كتبت بالضياء وماء الورد

Views: 1059

أمل ناصر

” ما بعد الحب” هو الديوان الرابع والكتاب الستون للشاعر الدكتور نزار دندش الصادر قبل أيام عن الدار العربية للعلوم ، وهو عبارة عن موسوعة شعرية في الحب والغزل والحِكَم . فيه قصائدٌ لأشخاص ٍتركوا بصمةً في ذاكرته ، وأشعارٌ لأشخاصٍ طبعوا في نفسه حسرةً، ويحتوي على قصائد للأم والمعلّم وطبيبة الاسنان وسعادة الانسان .

كُتِبَتْ أشعاره بماء الزهر وأخرى كتبها برائحة العطر  وأشعارٌ  كتبت بالضياء فتوأَمَتْ بهاءَ النجوم  وجمالَ الورد ولونَ البحر وسحرَ الحرفِ مع سحرِ ليلى ، الحبيبة الشاملة .

نزار دندش الشاعر – العالم الذي يجمع بين الشِّعْريَّةِ والعلمية فيُعْمِلُ عقلَهُ حين يختار تعابيره وتشابيهه ، ولكنّه عندما يختار صوره الشعرية ، يُحَوِّلُ المعلومة الى فكرة والفكرة الى حالة والحالة الى قصيدة .

وقد ساعدته علميَّتُهُ على سلامة اللغة واحترام القواعد واختيار المفردات الصحيحة والكلماتِ المُعَبِّرة لتأتيَ مشغولةً كفستان العروس وعابقةً برائحة القوافي التي تشبه عطر الزهور .

وقد قطف الشاعر الروائيُّ  من الخيال صورَه واستعار من معرض التاريخ تشابيهه . وهو الباحث المتجدّد في بحور الشعر ، المُبَسِّطُ لمفرداته، والساعي الى بثِّ الروح في أشياءِ قصائده وتثقيف المشاعر والأحاسيس .

حبيبتُه لم تعد تشبه القمر بل غدتْ يغار منها القمر ويحلم أن  يقطف من خديها أزرارا .

أما حبيبتُهُ ليلى فهي أقرب الى روحٍ فُصِّل لها جسدٌ مثالي لتقول فيها احدى قصائده :

” كأنَّكِ النورُ مسكوباً على بشر ”  وقال عنها في قصائد أخرى : ثغرها الفجر وأهدابُها الشعر  ، هي رحيقُ الحسن ِ وهي نَغَمٌ مُسْكِرٌ  ، وريّاها تُعطِّرُ الحلم وأنوثتها لحنٌ صاغه الوترُ .

” ما بعد الحب ” موسوعة غزلية تتناول فصول العشق بكل تلاوينه ومراحل نضجه ، من عشق المراهق الى هيام الراشد الى عتاب المُبْعدِ عن حبيبته . فيه صورٌ وتشابيه لم يستعملها أحدٌ من قبل ، ونلمس في ابياته سلاسة وبساطة وابتعاد عن التعابير القاموسية الصعبة .

وقد تُميّز هذا الديوان بالفصاحةُ والانسيابية و التكثيف المُحكم ، حيث نقرأ في الصفحة 13  ، مثلاً :

كم خلتُها الزهرَ  ، ضوعاً سال من شفةٍ

رحيقَ شهدٍ ، فؤادي نحلةً صارَ

بطلة الديوان هي ليلى ، الاسم المستعار لامرأةٍ يجتمع فيها حسنُ النساء وأنوثتهنَّ ، حتى لصارتْ أقربَ الى الكمال .

هي الشعر والمشاعر التي يخاطبها الشاعر في الصفحة 49 بقوله :

لولا عيونُكِ ما نزفتُ مشاعِرا

أو كنتُ يوماً في زمانيَ شاعرا

وجهها كونٌ :

في البعضِ حُسْنٌ ، وفيكِ الحسنُ حُسنانِ

خدّانِ صُبحانِ … صُبحٌ يعشقُ الثاني

والعينُ سحرٌ مدى حُلْمٍ قد اتَّسَعَتْ

إعجازُ خلقِكِ فيكِ العينُ عينانِ

عينانِ كونانِ ، والألوانُ من زُحَلٍ

كنزانِ ما أُعطيا يوماً لإنسانِ

 

يجتمع في وجهها الجمال مع الطبيعة :

نَثَرَ الربيعُ على الخدودِ ورودَهُ

حتى الضياءُ بلونِ خدِّكِ حالمُ

فجمالُ يوسُفَ في لحاظِكِ صورةٌ

وَلِخَمْرِ عيسى في الشفاهِ معالمُ

 

خُلِقَتْ لأجلهِ :

حتى تمخَّضَ رَحْمُ الدهرِ فاتنةً

وجهاً ملاكاً ، وقد أسميتُهُ العشقَ

 

تُعيدُهُ طفلاً :

أشدو كطفلٍ إذا عيناكِ أقبلتا

أهيمُ ، أفرحُ ، مزهوًّا برؤياكِ

 

جمالها مُسْكِرٌ :

وكنتِ لي نغماً كالراح يسكرني

أخافُ لو أُغمضُ العينين أنساكِ

 

هي السماء :

يا كوكبَ العمرِ عمري أنتِ فرحتُهُ

أنتِ الثريّا وأنتِ الشمسُ والقمرُ

 

وهي الحلم الأرقى :

أغفو فأحلمُ ان حسنَكِ جنتي

وأراكِ شهداً والشفاهَ “كواثرا “

 

وكما أبدع في وصف الحب والحبيبة أبدع ايضاً في معاتبتِها حيث نقرأ في الصفحة 29 :

كم كنتُ أحسبُ ان قلبكِ جنتي

ورضابَ ثغركِ نهرَ شهدٍ ” حوروي “

ما كنتُ أعلم ان حبَّكِ غيمةٌ

إمَّا تَهِبُّ رياحُ صيفٍ ينطوي

ما كنتُ أحسبُ نَبْضَ قلبِكِ خدعةً

تبًّا لقلبٍ مع نقودٍ يستوي

 

هي ليلى الفريدة التي تبادله الحب حيناً ويحبها من طرف واحد حيناً آخر ، لكنه ميّزها بصفات قلّما اجتمعت بحبيبة ، فجمالها نبيلٌ وأنوثتُها تفوحُ عطراً . عيناها قِبْلةُ القوافي وخداها ربيع دائم  . بهاؤها نورٌ مقدّسٌ وحبها أبديٌّ الى ما بعد القيامة :

لئنْ حييتُ ، له أحيا ، هواكِ هوىً

وإنْ بُعِثْتُ ففي الفردوسِ ألقاهُ.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *