كمال الصليبي في ذكراه العاشرة… “تاريخ لبناني صرف”

Views: 761

أنطوان يزبك

 

أهمية دراسة التاريخ لدى الشعوب وتشكيل الوعي لدى الأمم الناشئة

التاريخ كدراسة بحث علمي في غاية الجديّة ينعكس على حركة نمو الشعوب وفهمها

 

“لا يمكننا كتابة تاريخ جيّد وصحيح إلا في بلد حرّ (فولتير).

هذا الكلام ينسحب على الدكتور كمال الصليبي (2 أيار1929 – 1 أيلول 2011)، الذي حرص على أن تكون دراساته في التاريخ، عملا تحرّريًا من أجل تفكيك الأساطير المحيطة بالتاريخ، والإتيان بـ “تاريخ لبناني” خالٍ من الخوارق ليكون تاريخًا علميًا حقيقيًا لا شوائب فيه ولا تفاصيل تنافي العقل والمنطق…

 

كان كمال الصليبي باحثًا دؤوبًا وشخصيّة فذّة في ميدان البحث العلمي التاريخي، قدّم دراسات نادرة حول تاريخ لبنان والعالم العربي، وأعاد دراسة التوراة والإنجيل، من خلال نظرة جديدة علميّة بحتة أثارت جدلا إذ تخطّت التعاليم السائدة خصوصًا أنه تناول مسألة جغرافية التوراة ومركزتها في الجزيرة العربية في كتابه “التوراة جاءت من جزيرة العرب” (1985)، وأيضًا في “خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل” (1988)؛ تضعنا هذه الكتب على طريق البحث العلمي بعيدًا عن تراكمات وتداخلات وتفاصيل تتسابق مع الحقيقة العلمية، وتنتهي بتكوين خوارق شعبية تخدم أفكارًا سياسيّة في الغالب، تهدف إلى مصلحة معيّنة.

هذا التاريخ المغلوط غالبًا ما يستهوي الرأي العام العريض، فيسمّمه كمن يدسّ مادة قاتلة في طعام لذيذ يستسيغه الناس، فتكون النتيجة قاتلة فتاكة، تؤدي إلى هلاك الشعوب واندحارها، لسبب تافه ناجم عن جهوزيتها لتصديق ما يدغدغ أحلامها ويعبث بنوازعها الدفينة!

يقول المؤرخ الصليبي في حوار مع الصحافي هاشم قاسم ما يلي: “ليس لديّ رسالة إنسانيّة أعطيها للبنانيين والعرب، لا أفكّر بهذه الطريقة. فقط حاولت كتابة التاريخ انطلاقًا من الوقائع والأحداث الموجودة. وأعتقد أن هذا الأمر كان منهجي الأساسي وهدفي الخالص”.

انطلاقًا من هذا الكلام نفهم حرص الصليبي على تكريس واقع البحث الصرف خاصة في مسألة حساسة كالتاريخ، التي يُعوّل عليها في تفادي الحروب والصراعات واستبعاد كل ما يسبب نعرات طائفية، وإسقاط الأبواق التي تؤسس لإطلاق شرارات نزاعات لا نعرف متى تنتهي وكم من الدماء ستُهرق!

 

في مقال آخر عن الصليبي يقول مصطفى سبلاني في معرض كلامه حول منهج كمال الصليبي: “الفهم المبنيَّ على وعيٍ نقديّ يجعلنا نُدرك أنّ الحدث يتشكّل في التاريخ، لا فوق التاريخ، وأنّ الطريق إلى المعرفة التاريخيّة معبّدةٌ بالشّكّ لا باليقين، وبتفكيك الأساطير لا بتبنّيها”.

على هذا الأساس استعيد قول غوستاف فلوبير: “جهلنا بالتاريخ يدفعنا إلى تشويه سمعة حاضرنا”.

فهلا كففنا تشويهًا لكل شيء، لم نعد نجد مكانًا نخفي رؤوسنا فيه من كثرة معاصينا!!

 

 

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *