من مار ميخائيل  إلى ميخائيل نعيمه…مسيرة إيمان ومعرفة وتجليات

Views: 33

 أنطوان يزبك

يتساءل البعض ما الرابط بين مار ميخائيل وأديب لبناني عملاق هو المفكّر والفيلسوف ميخائيل نعيمه؟ الجواب سهل وأكثر بساطة مما قد يتبادر إلى الأذهان؛ فالعلاقة بينهما هي علاقة الإيمان والمعرفة والتجلي الإلهي، الملاك ميخائيل لأنه قادم من عند الله وهو أحد خلائقه غير المنظورة ولكن الحاضرة بالروح والكون؛ وميخائيل نعيمه الذي ارتقى في فعل الإيمان وجسّده في أدبه وفكره وفلسفته..

الملاك ميخائيل، رئيس الملائكة والذي يعني اسمه “من مثل الله”، محارب الشيطان وسائر الشياطين وقاهر الشرور هو رمز لعدالة الله في كلّ آن وكل حين، هو الحامي والمدافع وشفيع الضعفاء وكل من استجار به، وهو الذي يذكره القرآن في سورة البقرة آية 38: من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين { صدق الله العظيم}.

 

هذا الملاك له حضور وله شكيمة وله وقع نبوئي وقدسي وله السلطة الربّية ليحمل سلطان الله القويّ والكلي القدرة، الله الذي  يسع الكون في حكمته وأناته!..

أما ميخائيل نعيمه فهو مفكّر كبير، عليم بكل ما له علاقة بالإنسان والوجود إزاء الإيمان ومعرفة الله، في كتاباته دروس إيمانية مشعّة، خالدة، نافذة، رصينة، وازنة، ثابتة، والأهم حكميّة تنضح بالفلسفة والأدب، صرنا نهملها ولو نعود إليها نصيب في الحياة ظفرًا ومكاسب جمّة!

وسم ميخائيل نعيمه الأدب والفكر اللبناني والعربي في القرن العشرين بعلامة فارقة، والمعيب أن الناس لا يعرفون عنه شيئًا سوى نزر يسير في كتب القراءة المدرسيّة. صحيح أنه يملك موقعه في الأكاديميات ولكن من الواجب أن يعرف الجميع عنه، وعن فكره خاصة، ذلك الفكر المتعلق بالأديان، والطامة الكبرى أن العامّة تنظر إلى المفكرين وكأنهم ملاحدة لا يؤمنون بوجود الرب القادر ولا يعبأون حتى بالحضور الربّاني الذي يفوق كل بشر وكل القدرات الإنسانية.

 

 وبغض النظر عن الخوض في معتقدات نعيمه، لنقرأ ما يقوله في بعض كتاباته التي إذا أردنا دراستها لتطلّب منا سنوات وسنوات ومجهود عدد غير قليل من الباحثين!

يقول نعيمه في كتاب “ومضات، شذور وأمثال” صفحة 51: “ربّ الأرض لا تفوته أقلّ شاردة أو واردة مما يجري على الأرض. وهو يحصي على الناس أنفاسهم. (https://www.sweetfixbaker.com) فكيف بأعمالهم وأقوالهم وأفكارهم وحركاتهم ونيّاتهم وشهواتهم”. وهو يردّ لكل إنسان نتيجة ما يصدر عنه في هذه الدنيا والآخرة.

 في هذا الكلام اختصار لمفاهيم  عديدة. فيه صورة الله الحقيقية، وقدراته اللامتناهية وخاصة الله الديّان الذي يردّ لكل إنسان نتيجة أفعاله إن على أرض الأنبياء أو في مكان آخر، وهذا التشبيه هو أرقى ما يمكن أن يصل إليه عقل بشري عارف ومستنير.

 

وفي الكتاب عينه يقول ميخائيل نعيمه (صفحة 66): “يوم تخسر إيمانك بحكمة الحياة، وعدلها في كلّ ما تعمل، تخسر نفسك”.

في هذه الحكمة الصارخة، يقصد نعيمه أن حكمة الحياة ليست سوى حكمة الرب الخالق، هذا الكائن العظيم الذي رسم الحياة ورسم حكمتها ولا شيء يقوّينا ويؤمن استمرارنا فيها سوى الإيمان، فإذا هوى الإيمان سقط كل شيء واضمحلّ.

كذلك يذكر في الصفحة 71 مسألة مهمة، وهي وجوب التأمل الداخلي والهدوء والانسحاب من صخب العالم حتى ندرك الله ونتمكن من فهم حقيقته، فهو يقول: “لن تبصر وجه ربّك ولن تسمع صوته إلا إذا أغلقت عينيك من بشاعات هذا العالم وأذنيك من ضجيجه”.

ميخائيل نعيمه أكثر من قيمة إيمانية وفكريّة، وأعمق من فكر مهما كان نوعه لأنه أدرك بواسطة عقله وخبراته وتأمله وتمحصه في مسائل هذا الوجود، حقيقة الخالق وعرف ما يقدر عليه.

 

في كتابه “النور والديجور” يقول ميخائيل نعيمه ما يلي (صفحة 142): “إن إيماني بالموجّه الأعظم يحملني على الشهادة، بأنه ما وجّه المجاري الكبرى في حياتي وحسب، بل المجاري التي تبدو كما لو كانت غير ذات بال”.

وما يقصده نعيمه هنا هو أن الخالق العظيم يتحكّم بكل كبيرة وصغيرة في هذا الوجود المادي، وحتى ما بعد وجود المادي. كل ما يمرّ بنا ومع غيرنا، كل التفاصيل وكل الأحداث والصدف حتى إذا جاز لنا تسميتها هكذا، هي كلها من تدبير ربّاني!

ميخائيل نعيمه أدرك الحقائق وسلك درب المعرفة، قطع كل تجارب الحياة من البداية إلى النهاية، كما الملاك ميخائيل حمل سلاحه في مواجهة شرور وسلبيات هذا الوجود، وخاض معركة النور ضد الديجور، ونحن أيضًا مدعوون بدورنا من أجل خوض هذه المعركة حتى نعاين حقيقة الوجود، تمهيدًا لنعاين وجه الله في سناء خلده!..

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *