عودة ” الكشّة”

Views: 767

د. جان توما

 

تأمل بعينيه تلك الحقيبة المهترئة المرتاحة على ظهر خزانة غرفة نومه. ردّته إلى دروب الغربة يوم هاجر إليها في  مطلع الخمسينيات. كانت يومها تسمى ” الكشّة”. تذكر كيف كان يضع فيها بضاعة، يحملها على ظهره، ويجري بين القرى الضائعة هناك، يبيع الناس بالتقسيط، في دورته الأسبوعية.

لما استقامت تجارته مشيّا على الأقدام، اشترى سيارة، وبات يتنقل بها عارضا بضاعته على الراغبين من أهل القرى والجوار.  هذه السنوات الطوال من تجارة الدروب الخطرة، لم تمنعه من العودة إلى لبنان ليموت هنا.

بقيت الحقيبة أو” الكشّة” أمامه، ليتذكر معاناته يوم وصل الأرض البعيدة ،وليتذكر تعبه وشقاءه. ولكن لما حان وقت التخلّص من الحقيبة،  تردد كثيرّا، وهي التي لم تعد صالحة، بعد أن فني جلدها وتعطلت أربطتها. تردد كثيرًا في التخلّص منها إذ كانت أرضه يوم جاب أرضًا غريبة، وكانت كفنه كلّما واجهته المخاطر في عمله،  وكانت شاشة ذكرياته وقارورة خيالاته ومغامرة عمره. كان كلّما تلمّسها تذكر  ما كان عليه من أمان هناك، رغم الأخطار، وما هو عليه في لبنان يومها.

يعيد التاريخ نفسه، إذ عادت الناس اليوم تبحث عن تلك الحقيبة” الكشّة”، ليخرحوا من أرض أحبوها إلى رغيف خبز وحبة دواء. إنّه حلم ” عودة الكشّة” في زمن القلّة، وانعدام فرص العمل. صارت أحلام الشباب حقيبة رحيل،  و”كشّة” فيها إسوارة العروس القمرْ، ومناديل مطرّزة موعودة بدمع السفرْ.

الصورة رمزية من الانترنت

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *