حين تقرر امرأة أن تسحق رجلاً

Views: 125

زياد كاج

   لم يتخيل أحد أن تلك الفتاة الخجولة والمتقوقعة على نفسها والتي أتت الى الشركة من منطقة جبلية نائية لتعمل وتتزوج موظفًا بسيطًا، يمكن أن تتحول الى امرأة متسلطة حالمة وصولية وخالية من الرحمة، أعماها طموحها وحب المال وحياة الرفاهية والمغامرات العاطفية.

   التقاها ابن قريتها البسيط صدفة في أحد الأعراس  فسلبت عقله بجمالها وحيائها. بسبب إلحاحه،استسلمت امه المترددة فقصدت بيت عائلتها وطلبت يد الفتاة بشكل رسمي.

لم تمضِ أسابيع حتى أقيم العرس الحافل، الذي كلّف العريس مبلغًا فوق طاقته ودفعه إلى الاستدانة. أراد أن ينهي كل شيء وينتقل معها إلى العاصمة حيث تخيل بيتًا عائليًا وأسرة واولادًا كثرًا من حوله.

كثرت الوشوشات في الضيعة قبل العرس وخلاله وبعده، ووصل بعضها الى الأم القوية العارفة مكامن ضعف شخصية ولدها البسيط والطيب القلب و”الكسيب” المدمن على العمل مهما كان نوعه. كانت معظم التعليقات حول الفالق الجمالي  بين العريس والعروس وحول الخلفية العائلية غير المستقرة للعروس.

 تحقق حلم الرجل. صار تحت سقف واحد وفي سرير مشترك مع ساندريلا أحلامه. زهرة في غير مكانها وأوانها في مدينة هوجاء عواصفها لا تهدأ في كل الفصول.

أيام وأشهر معدودة وبدأت طلباتها. تفتحت عيناها بسرعة على مباهج وأضواء المدينة. وظّفها معه في الشركة التي يعمل فيها وصار يفتخر بها أمام الزملاء والزميلات، هو الغافل حقيقة أن الجمال الريفي قد يطلق خبث النفس في هواء المدينة الملوث.

وظيفته متواضعة: يحضّر القهوة للمدراء والموظفين ويلبي طلباتهم. كان يعمل بنشاط وحيوية وبدوام إضافي إذا طُلب منه. أما هي فسلبتها واستحوذت على تفكيرها أشكال الناس من أصحاب المراكز العليا والبذلات الرسمية وأحاديثهم عن الحسابات المصرفية والسيارات الفارهة والليالي الملاح..

 

أصبحا أُماً وأباً وكثرت مصاريفهما. أهمل الزوج شكله وهندامه ليعمل أكثر كي يرتدي أولاده أفضل الملابس ويدخلوا افضل المدارس. ألم يُحرم هو من نعمة العلم لضيق الحال؟ وكم من ليال نام وهو جائع؟ أما الزوجة فصار عقلها في مكان آخر. تلاحق صرعات الموضة وتشتري العطور الغالية الثمن  ولا تتردد بقصد أرقى صالونات تصفيف الشعر في محاولة  بائسة لإشباع عقدة نقص من زوجات المدراء في الشركة، وكي تبدو أنيقة مثلهن.

” كيف تعيشين مع هذا البغل ؟ أنت أفهم منه بمليون مرة؟ تستأهلين أحلى رجل”، نصيحة المرأة صاحبة النية السيئة لامرأة أعماها الطموح تأتي كصب النار على الزيت. حتى تلطيشات الرجال والمدراء لها طمعاً بجمالها زادت من ثقتها بنفسها ووسعت المسافة بينها وزوجها العابق برائحة عرقه. صارت تخجل منه أمام الناس. تنكر أنه زوجها وتبتعد عنه وتتجنب الظهور معه أمام الناس. تحلم برجل جميل يرتدي بذلة أنيقة يشاركها العشاء في مطعم فاخر على ضوء الشموع.

 قررت التخلص منه .

في تلك الفترة اجتاحت البلد تيارات سياسية متعددة ، لديها مشاريع متناقضة ومتنافسة. بعضها حمل البندقية مشروعاً وبعضها وجد في المشاريع الاقتصادية والعمرانية طريقاً للنهوض بالبلد. ناسبها تيار المشاريع والأعمال فركبت موجته كمن يركب الأمواج العاتية في ولاية فلوريدا الأميركية. لم تأبه بالمخاطر والمجازفة بحياتها الزوجية والعائلية وحتى بسمعتها. همها أن ترمي زوجها خارج فراشها وبيتها وعالمها. لم يصدق الزملاء والزميلات حين علموا بعد سنوات أنها أصبحت محامية ( زورت الشهادة ودفعت ثمنها). أصيب معارفها وأقاربها بالصدمة حين شاهدوها على شاشة إحدى المحطات التلفزيونية في مقابلة كأم مثالية صنعت نفسها بنفسها وهي ترعى  أولادها وحدها وتكافح في مجتمع ذكوري ظالم.

    حصلت على الطلاق بالقوة. عاند الزوج المسكين بعدما صار كالمكنسة في يدها. وحاول التعنت بموقفه الشرعي واستعان بتدخلات الأهل والأقارب. لا يزال يحبها ولم ينتبه لكل ما يدور حوله من ألاعيب وخدع حتى صار حديث الشركة . قصة الزوج المخدوع والزوجة الماكرة أصبحت على كل لسان. وصل به الأمر أنه تقبّل خياناتها المتعددة له!

 حاولت أمه الطاعنة في السن إصلاح ذات البين دون جدوى. التيار السياسي الذي تنتمي إليه ساعدها في قضية الطلاق وفي حضانة الأولاد بعدما أدعت أنه “مجنون”. (Klonopin)

  بعد الطلاق وابتعاد الأولاد عنه، تحول الرجل الى ما يشبه “المجنون” فعلاً. صار سلوكه في الشركة  ملفتاً وغريباً، يتحدث مع نفسه ويردد قصته معها واسمها ويسترسل في أكثر التفاصيل الحميمية بين زوج وزوجته . تراجع وضعه الصحي حتى استغنت الشركة عن خدماته. بقي يتردد الى المدخل الكبير ويحاول التحدث مع زملائه . مع الوقت ملوا قصته وتجنبوه. اختفى لفترة وعاد ليظهر بعد سنوات على أبواب الشركة ومعه بطاقة عليها أسمه ورقم هاتفه باحثاً عن أي عمل، أي وظيفة..” ولو ناطور بناية”، قال.

حين رأيته في ذلك اليوم أشفقت عليه. تحدث عن أولاده كثيراً وعبر عن فخره بهم كونهم تخرجوا من أفضل الجامعات. بدا شاحباً، وعلى وجهه علامات التعب والهم وأثقال العمر. لم يعد يذكر اسم زوجته السابقة التي قطفها زهرة خجولة من ضيعته وتحوّلت الى شوكة سامة قضت على حياته.

صحيح أننا نعيش في مجتمع ذكوري وأن المرأة عموماً مظلومة وحقوقها مهدورة وأن حصة الرجل في الظلم هي  أكثر من المرأة، لكن قصة هذه المرأة وكثيرات غيرها، تذكرنا أن لكل قاعدة شواذًا بل شواذات.

ملاحظة: هذه القصة مهداة الى كل جمعيات حقوق المرأة “الناشطة وغير الناشطة”  في لبنان والعالم العربي.                      

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *