رندة جرّوس

Views: 262

د. جان توما

يشبه رحيلها تهافت ندى الورد على سور البساتين، كهدوء النسيم وتثاؤب ورق الكتب. لم ترحل رندة، فما زال موعدنا قائما في موعد ندوة خطَّطَت لها في الأسبوعَين القادمَين. لم تكن ترى في طرابلس والشمال إلّا المنبر الثقافيّ والهمّة الفكريّة، صحيح أنّّها لم تطلع من أزقّة المدينة، أذ انصرفت إلى قراءة تاريخها، بحياة متوثّبة، في مكتبة جرّوس في شارع نديم الجسر، فترى فيها المدينة الرائدة التي لا تتعب من حراكها، ولا تكلّ من جنونها في أن تستعيد هويّة دارها العلميّة ونهضتها العمرانيّة الحضاريّة الرائدة.

لم تغلق رندة جرّوس كتابها بعد، إذ لم تكتب كلمتها كاملة، ولم تقل ما تريده. ما زال صوتها في مطبعة العمر، تصدر الطبعة تلو الطبعة، فمن كان مثلها، طافرًا كالأيائل في الحياة لا تخونه الجلول وقادوميات العمر.

كلّما التقيتها كانت تسأل عن الجديد القادم على منصّات الثقافة في مراكز المدينة. لعلّ خارطتها اليوميّة كانت من الكتاب إلى الكتاب، ومن معرض إلى آخر، ومن ندوة إلى ثانية، لكأنّها مضت إلى الورق الأبيض لبقائه على بياضه، وإلى الحرف لنقاوة مضمونه، وإلى وجه ربّها لأنّه الأبقى.

لم تغب عن اجتماع ثقافيّ، هذا إن لم تكن هي صاحبة الدعوة، وصاحبة المبادرة ومطلقة الفكرة التي لا يمكنك أن ترفض مشاركتها حلمها الفكريّ الذي تخرجه من قارورة أحلامها التي لا تنضب. أعرف، كما الكثيرون، كم جمعتنا “رندة” في تلك العليّة، أو الصومعة، أو الصالون الثقافيّ في المكتبة، حيث تزداد الأفكار غنى وترجمة الثقافة مدى، وتنظيم النشاطات والعمل على تنفيذها.

كنا مرضى، وكانت هي الترياق قوّة ودفعًا وحماسًا. لم تتعب من أوجاع الدنيا، بل واجهتها بالفرح تعاضدًا مع إخوتها وأولادهم، كانت لهم العالم الذي يعرف معنى المحبة، وكانوا لها فرح السماء انصرافًا لخدمتها والتنعّم بلهفتها عليهم.

ستكون لك الكلمة الأولى في الندوة القادمة يا ” رندة”، فالأبجديّة الثقافيّة تشهد لك بحضورك في كلّ منتدى أو مجلس، إذ كيف تغيب كلمتك عن ندوتك كما في كلّ حياتك؟!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *