غزوات الطفولة
د. جان توما
ثلاث عرائس غَزَتْ طفولتنا، “عروس” الزعتر، و”عروس” اللبنة ، و”عروس” الزيتون. زفّنا الأهل إليها لتفتيح الذهن، وتوسيع المدارك، خاصة إذا كانت مغلّفة بورق الصحف. (https://fmcg-viet.com) إلّا أنّ للزيتون هيبته. يُجمعُ من السهول المجاورة، لينزل في البيوت ممهورًا بمطرقة جرن الكبّة قبل أن يوضَّب بالملح البحريّ من ملاحات القلمون، أو أنفه، في أوعية زجاجيّة؛ مونة ورفيق الفصول كلّها.
كانت أعيننا تصبو إلى نواة ( عجوة) الزيتون، كما إلى نواة (عجوة) المشمش. نعمل على تجفيفها تحت أشعة الشمس، ونعمد إلى حفّ نواة الزيتون على الجدران المسنّنة لتدوير زاويتيها، ويظهر ثقبها من أوّلها إلى آخرها، وكنا نأتي بخيط الصيد لنصنع من الحبات المثقوبة سبحة للتسلية، أو إسوارة معصم، أو عقدا يزيّن الرقبة لمعرفتنا في طفولتنا أنّ الزيتون مبارك، وأنّه بمقام الذهب، فما نفع هذا الأخير إن بقي حبيس المناجم ولم ينزل معاصم الجميلات وأعناق الغادات؟!
كذلك نواة المشمس كانت لعبة الحارات، مراهنة ولعبة وتجميعًا لكميّات كبيرة، وكم حفلت علب البسكويت والحلاوة وغيرها بأعداد كبيرة دليل الربح الوفير، ولم نفهم حتى اليوم سبب هذا العشق الممنوع لنَويات المشمش الساحرة؟!
ثلاث عرائس شغلت طفولتنا، وآلاف العرائس اليوم الملوّنة تشغل بال الجيل الطالع الذي يسعى إليها كلّها، ولن يستطيع أن يطالها جميعها. بالأمس اكتفت الأجيال السابقة بالزيتون والدبس والتين المجفّف، أما جيل اليوم فكلّ مطاعم العالم لا تشبعه. سيكتشف أن عرائس البيت، بأيدي الجدّة والأمّ لأشهى من الموائد كلّها، ومن الطيّبات التي لا ولن تتكرّر.