فؤاد سليمان بعد 70 سنة على الرحيل: “ما مت أنت ولا نزحت”

Views: 1059

سليمان بختي

لو قدر لي أن أختار أديبا لبنانيا يفري فريه في هذه المرحلة التاريخية التي يمر فيها لبنان لكان فؤاد سليمان في الطليعة. كان امتشق قلمه وحلمه وقاتل بالكلمة والحرف والموقف لأجل كرامة الإنسان في لبنان ضد كل الفاسدين المدودين . هذا الذي لم ير اسمه على كتاب إلا بعد وفاته. هذا الذي انقصف عمره في سن الشباب ورحل عن 39 سنة. وقد تصدع قلبه على الوطن والمواطن وأحوال الحياة في لبنان. 

ولد فؤاد خليل سليمان في فيع الكورة ووالده في المهجر يشتاقه ولا يراه، و قد عانى من هذه الهجرة – النزيف التي تخطف الأهل والأقارب والأصحاب في بلادنا. لذلك كتب النص الملحمي عن مأساة الهجرة وكانت بعنوان ” مغارة الزمرد والياقوت” وعلى لسان والدته  “بيننا وبين البحر ثارات يا ولدي”. وروى كيف كان أهل القرى ينزلون إلى المرفأ وقد خلعوا مرايا خزائنهم معهم إلى التلال المحيطة بالمرفأ لتنعكس الشمس في عيون أبنائهم المهاجرين. وهكذا تبقى شمس بلادهم في عيونهم ويشتاقون ويعودون.

درس فؤاد سليمان في مدرسة دير البلمند ومنها انتقل إلى مدرسة الفرير في طرابلس ثم إلى جامعة القديس يوسف دارسا اللغة العربية وآدابها.

علّم في الثانوية العامة التابعة للجامعة الأميركية في بيروت 1937-1951 وعمل في الصحافة اللبنانية جريدة “النهضة” وخاصة في “النهار” موقّعا مقالاته بإسم تموز. كما تولى رئاسة تحرير مجلة “صوت المرأة”.  دخل إلى الصحافة منتصب القامة مرفوع  الهامة والرأس والجبين وخرج منها مناضلا ورمزا وضميرا.

 

انتمى إلى صفوف النهضة القومية الاجتماعية وكان الأديب المفضل لأنطون سعاده أكان في تعليقه القصير أم في مقاله الموسع. وقد حقق فؤاد سليمان بعض الخواطر التي كتبها أنطون سعاده سنة 1930 على متن الباخرة التي أقلته من البرازيل إلى بيروت. وكتب مقدمة كبيرة ونشرت في جريدة الحزب “سوريا الجديدة” 1939. نشأت علاقة صداقة سامية بينه وبين سعاده وعينه  سعاده وكيل عميد  الإذاعة وكان عبدالله القبرصي هو العميد في الفترة السرية. لبث فؤاد سليمان  مؤمنا  بأنطون سعاده باعث النهضة والقائد وكتب في 2 آذار 1947 “عودة الأسد”. كلفه أنطون سعاده مع عبدالله القبرصي بزيارة الأديبة اللبنانية مي زيادة في بيتها في شارع السادات، رأس بيروت وتهنئتها بالسلامة بعد خروجها من المستشفى. ولما فتحت الباب ورأتهما يقدمان لها الأزهار قالت:” أهلا وسهلا بأزهار الأدب”. 

نذكر من مؤلفاته وكلّها طبعت بعد وفاته:” درب القمر” و”القناديل الحمراء” و”تموزيات” و”يا أمتي إلى أين” ولا يزال السؤال مطروحا ومشروعا. و”كلمات لاذعة” و”أغاني تموز” (شعر) و”في رحاب النقد” و”يوميات ورسائل” وقد صدرت أعماله الكاملة في مئوية ولادته. منحته الحكومة اللبنانية وسام المعارف من الدرجة الأولى 1951.

ماذا بعد؟ هناك نصب تذكاري له في قريته في فيع. ويعمل ابنه وليد بالتعاون مع العائلة على تدشين  “درب القمر” مزينة بأقواله تلك الدرب التي أحبها فؤاد سليمان وأخذ منها سماحة الكروم وعلو النجوم.

 

كتب فؤاد سليمان عن القرية التي أحبها. مات الفلاح الأخير في قريتنا. أسمعه يصف  القرية بعد أن هجرها أهلها :” الساحات مقفرة يجول فيها شعاع الشمس الدافئ وحده فلا يطلع على زند مفتول… جرس الكنيسة الكبير محني الرأس في العيد، كئيب لا يدق دقاته. فقد قطع الشباب حيله وراحوا. أنوال الحرير في الدار يغص فيها الغناء، فلا يطلع في بالها إلا الندب”.

كان فؤاد سليمان يعرف أنه حيال الفاسدين لن يبقى للشعب غير التراب اليابس. “ماذا يفعل الإنسان في بلد يبصق الدم فيه ليعلم أولاده أو ليلبسهم حذاء في يوم عيد”. وخاطب الحاكمين:” أنتم في مراكزكم لتخدموا الشعب لا لتستخدموه”.

ماذا كان ليقول فؤاد سليمان اليوم أكثر مما قاله بالأمس. وكان فعلا على حق لأن القلم والألم والقلب والواقع على موجة واحدة وعلى عصب واحد ويقضه السؤال المفجع:” كيف نحقق كرامة الإنسان في بلادنا؟ وكيف نرفع من شأنه وقيمته؟

 

فؤاد سليمان سنديانة كورانية وازنة العطاء وارفة الظلال ومزهرة الثمار. كأنه ما مات ولا مضى على رحيله سبعين سنة. أسمع ما قاله الشاعر صلاح لبكي في رثائه:” ما مت أنت، ولا نزحت/ ولا عزمت على إغتراب”. إذن لا تزال كلماته بيننا ترن وتصدي، ولا يزال نقده الإجتماعي والسياسي صحيحا لكل البنى والمؤسسات ورجال السياسة في لبنان وممارساتهم الإجتماعية. 

في الذكرى السبعين لوفاته نسأل معه ذلك السؤال الصعب الذي أرقه :”ماذا عندكم من الخير في ضيعتكم بعد؟ “عندنا ضوء القمر والنجوم… نعمة من السماء، لا يد فيها ولا منة لاحد منا.. وعندنا من الخير، هذه المقبرة التي يرقد فيها أولئك المباركون الأنقياء”. نفض يده من كل الزيف والخواء والفساد في الجمهورية، وكان صادقا مع نفسه ورائدا أصيلا والرائد لا يكذب أهله بل يعيش أعماره المضاعفة مع الناس، أما المارق فسيمر بلا أثر ولو حكم البلد.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *