حكاية الوزير المحتال

Views: 9047

سليمان بختي

 

هذا النص من قصة  الصياد والمارد  من كتاب  ألف ليلة وليلة  وهو من أثمن وأهم كتب التراث العربي ويتصمن مجموعة من القصص التي وردت في غرب وجنوب آسيا بالإضافة إلى الحكايات الشعبية التي جمعت وأدرجت إلى العربية خلال العصر الذهبي للإسلام.

ويعرف الكتاب باسم  الليالي العربية  منذ صدوره بالنسخة الإنكليزية عام 1706. أما اسمه العربي فهو  أسماء الليالي للعرب مما يتضمن الفكاهة ويورث الطرب  بحسب ناشره ويليم  ماكنجتن. وينسب إلى عدة مؤلفين ومترجمين وباحثين من غرب ووسط وجنوب آسيا وشمال إفريقيا.

 والحكايات مستمدة من الحضارات العربية والفارسية والهندية والمصرية وبلاد الرافدين. وهناك قصص مشهورة في الكتاب مثل  علاء الدين  و علي بابا  و رحلات السندباد البحري  و الجن والغيلان والقردة  و علي الزيبق ودليلة المحتالة  و الحصان المسحور الأبنوسي  و خاتم سليمان  وبعض الحكايات الشعبية في منطقة الشرق الأوسط. عمل الباحث محسن مهدي على توثيق النسخ العربية في عمل صدر له في ليدن عام 1984. أما مسرح هذه القصص وأماكنها فهي المدن العربية بغداد والبصرة والموصل والقاهرة ودمشق وحلب. 

 

حكاية الوزير المحتال

   فلما سمع الوزير كلام الملك يونان قال له: إنني قلت ما قلته شفقة عليك، فإن عملت به أنقذت حياتك وإلا هلكت كما هلك وزير كان قد احتال على ابن ملك الملوك. 

   قال الملك يونان:  ومن هو هذا الرجل، وكيف كان ذلك؟

 قال الوزير: كان لبعض الملوك ولد مولع بالصيد والقنص، كان معه وزير لأبيه قد أمره بأن يكون معه أينما توجه. فخرج الولد مع الوزير يوما من الأيام، إلى الصيد، فظهر لهما وحش كبير، فقال الوزير لابن الملك: دونك الوحش فأطلبه، فقصده ابن الملك حتى غاب عن العين، وغاب عنه الوحش في البرية. وتحيّر الفتى، وضلّ عن الطريق ، وصار إلى برية مقفرة لا يهتدي المرء فيها إلى سبيل. 

   وفجأة رأى جارية تبكي فقال لها: من أنت؟  فقالت: أنا ابنة أحد ملوك الهند، وقد كنت في البرية مع أهلي وجندي فأدركني النعاس فوقعت على دابتي ولم انتبه من نومي، فصرت منقطعة حائرة. فرثى لحالها وحملها على ظهر دابته وسار حتى مر بخربة، فقالت له الجارية: هلمّ ننزل فنرتاح هنا بعض الراحة.

   فترجلا وجلسا قليلا ثم اختفت بين الأنقاض، فتبعها ليبحث عنها. فوجد غولة شنيعة الهيئة تقول لأولادها: يا أولادي، قد أتيتكم اليوم بغلام سمين. فقالوا لها: أئتينا يا أمنا حتى نرعاه في بطوننا. فلما سمع الفتى كلامهم أيقن بالهلاك، وخشي على نفسه ورجع. فرجعت الغولة فرأته خائفا وجلا وهو يرتعد، فقالت له: ما بالك خائفا؟ فقال لها: إنّ لي عدوا وأنا خائف منه. فقالت الغولة: إنك تدعي أنك ابن ملك، فلماذا لا تدفع لعدوك شيئا من المال ترضيه به؟ فقال لها: إنه لا يرضى إلا بالروح، وأنا خائف منه، وأنا مظلوم.  فقالت:  إن كنت مظلوما فاستعن عليه بالله فإنه يكفيك شره! فرفع ابن الملك رأسه إلى السماء وقال: يا من يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف عنه السوء، اللهم إنصرني على عدوي، واصرفه عني، إنك على ما تشاء قدير. 

   فلم يكد يتم دعاءه حتى اختفت الغولة عن نظره، فانصرف عندئذ إلى أبيه وحدثه بحديث الوزير المحتال، فأمر الملك بقتله في الحال.

   وأنت أيها الملك إن أمّنت لهذا الحكيم قتلك شر القتلات. لقد شفاك من المرض بشيء أمسكته بيدك أيضا. 

   فقال الملك يونان:  صدقت أيها الوزير الناصح. إن هذا الحكيم جاسوس يطلب هلاكي، وما دام شفائي بشيء أمسكته بيدي فهو يقدر أن يهلكني بشيء أشمه. فكيف العمل؟ قال الوزير: أرسل في طلبه الآن، ومتى حضر إضرب عنقه فتكفى شره، واغدر به قبل أن يغدر بك.  فقال الملك: صدقت أيها الوزير. 

   وأرسل الملك إلى الحكيم ليحضر فحضر في الحال وهو فرحان لا يعلم ما قدّر الرحمن له، فلما دخل على الملك أنشده قائلا: 

كن عن همومك معرضا    وكلِ الأمور إلى القضا

أبشِر بخير عاجل            تنسى به ما قد مضى

فلربَ أمر متعب             لك في عواقبه رضا

الله يفعل ما يشاء             فلا تكن متعرّضا

   فقال له الملك: أتعلم لماذا أحضرتك؟ فقال الحكيم: لا يعلم الغيب إلا الله تعالى. قال: أحضرتك لأقتلك وأزهق روحك.

فتعجّب الحكيم من تلك المقالة غاية العجب، وقال: أيها الملك لماذا تقتلني وأيّ ذنب بدا مني؟  فقال الملك: قد قيل لي إنك جاسوس وقد أتيت تقتلني، وها أنا أقتلك قبل أن تقتلني. ثم إن الملك أمر السياف أن يضرب رقبة هذا الغدار، فصاح الحكيم قائلا: أبقني أيها الملك يبقيك الله، ولا تقتلني لئلا يقتلك الله. فقال الملك: إني لا آمن على نفسي إلا إذا قتلتك، فأنك أبرأتني بشيء  أمسكته بيدي، فلا آمن بأن تقتلني بشيء أشمه. فقال الحكيم: أهذا جزائي منك أيها الملك، تقابل المليح بالقبيح؟

   فأصر الملك على عزمه قائلا: لا بد من قتلك! فقال الحكيم، وقد أيقن بهلاكه: أمهلني حتى أنزل إلى داري وأوصي أهلي وجيراني أن يدفنوني وأبرئ ذمتي وأهب كتبي لمن ينتفع بها وينفع النفس، ولك لي أن أهديك أثمن كتبي، وكتاب  خاص الخاصّ،  لتضعه في خزانة كتبك. قال الملك: وماذا يحتوي هذا الكتاب؟ قال الحكيم:  فيه فوائد لا تحصى، وأقل ما فيه من الأسرار أنك إذا قطعت رأسي وفتحت ثلاث ورقات وقرأت ثلاثة أسطر من الصفحة التي على يسارك، فإن الرأس يكلمك ويجيبك عن كل ما تسأله.

   فتعجب الملك غاية العجب، واهتز من الطرب وقال له:  أيها الحكيم! أحق ما تقول؟ أتكلمني بعد أن أقطع رأسك؟ قال:  نعم أيها الملك. ثم أرسله مخفورا إلى داره، فقضى أعماله وعاد ومعه كتاب عتيق ومكحلة فيها ذرور، فرشّ الذرور على طبق وقال للملك: خذ هذا الكتاب ولا تفتحه حتى تقطع رأسي، فإذا قطعته فاجعله في ذلك الطبق فوق الذرور يكف عن النزيف، ثم إفتح الكتاب كما ذكرت لك. 

   فأخذ الملك الكتاب منه وأمر بضرب عنقه، فأطاح الجلاّد رأسه في وسط الطبق وجعله فوق الذرور فانقطع دمه، وإذا بذلك الرأس المفصول عن جسده يفتح عينيه ويقول للملك:  إفتح الكتاب أيها الملك… فدهش الملك وبادر إلى فتح الكتاب، فوجد صفحاته بعضها لاصق ببعض، فأخذ يفتحها بعد أن يلمس شفته بإصبعه وهي لا تنفتح إلا بجهد، حتى فتح ست أوراق ونظر فلم يجد كتابة، فألتفت إلى الرأس المقطوع وقال له: أيها الحكيم، ليس في هذا الكتاب كتابة ما!

   فتكلم الرأس المقطوع وقال:  كم صفحة قلبت؟ أجاب الملك: ست صفحات. قال الرأس: إفتح ثلاثا أخر. ففتح ثلاثا أخر، وما كاد يفعل حتى سرى السم لساعته، إن الكتاب كان مسموما. فأدرك الملك المكيدة التي دبرها الرجل الحكيم وصاح قائلا: لقد سرى فيّ السمّ، لقد قتلني الحكيم دوبان! أما الرأس المقطوع فقد أنشد:

تحكّموا واستطالوا في تحكمهم     وعن قليل كأن الحكم لم يكن

لو أنصفوا أُنصفوا لكن بغوا فبغى   عليهم الدهر بالآفات والمحن

وأصبحوا ولسان الحال  ينشدهم    هذا بذاك ولا عتب على الزمن

   ولم يكد يفرغ الرأس من هذا الكلام حتى سقط الملك ميتا. 

فاعلم أيها العفريت لو أبقى الملك يونان الحكيم دوبان حيا لأبقاه الله، ولكن أبى وطلب قتله فقتله الله. وأنت العفريت لو أبقيتني لأبقاك الله…

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *